Skip to main content
بقلم : أتيم سايمون مبيور - ٢٧ فبراير ٢٠١٩

راي : المتاهات

بدلا من ان تعمل الاطراف الموقعة على اتفاق السلام  من اجل دخول الفترة الانتقالية بروح جديدة عنوانها السلام والمصالحة و الاستقرار ، الا انها اختارت الدخول في متاهة لامتناهية من الانقسامات التي قد تلقي بنتائج سالبة علي العملية السلمية برمتها ، الشئ الذي يعكس غياب الارادة السياسية المخلصة لتنفيذ اتفاق السلام ، من خلال ملاحظة ان التطورات الاخيرة  التي وقعت داخل فصيل المعارضة المسلحة التابع لتعبان دينق ، والتحركات التي تحدث داخل كيان الحركة الوطنية بقيادة كوستيلو قرنق ، و عملية اعادة التوحيد الجزئية التي جرت بين بعض فصائل حزب الحركة الشعبية  الحاكم ، يبدو واضحا من خلال تلك التطورات .ان هناك ثمة محاولات جادة تقوم بها بعض الاطراف للاجهاز على اتفاق السلام ، عبر إضعافها و إفراغها من مضمونها حتي تنخفض الى مستوى التفاهمات العادية ، لعدم توافق مصالحها مع ان تكون هناك تسوية حقيقية تصب في صالح  تحقيق الاصلاحات المؤسسية ، و المحاسبة و التحول السلمي في جنوب السودان.

   بدأت أولى فصول هذه المتاهة السياسية في مرحلتها الثانية ، والتي اعقبت إنقسام تحالف احزاب المعارضة الشهير (سوا) لثلاث مجموعات متفرقة تحت قيادة ( شانغسون ، لام أكول و توماس سريلو) ، وقد توقع الذين قاموا بتدبير ذلك الانشقاق ان الأمر سيتوقف على ذلك ، بعد ان حققوا انجازا يهدف لاقصاء أحد الاطراف وإبعاده من حلم الاقتراب من منصب نائب الرئيس الذي خصصته اتفاقية السلام للمجموعة ، لكن الساقية لم تتوقف عن الدوران كما توقعوا ، سيما بعد ان قامت مجموعة من الاعضاء السابقين من حركة كوستيلو قرنق بتنصيب السلطان عبد الباقي ايي رئيسا للحركة و الجنرال اقانج عبد الباقي ، قائدا لقواتها ، ولم تكن تلك مفأجاة كبيرة لكل متابع لما يدور داخل المجموعة ، لتتعقد بذلك حساباتها ايضا في امكانية إدراك (كرسي) نائب الرئيس الذي خصصته الاتفاقية لمجموعة (سوا) ، لتقع بذلك ضحية لذات التكتيك الذي استخدمته قبلا في ابعاد مجموعة لام أكول من التحالف ، وحينما تتشابه الادوات المستخدمة في اي عمل ، فذلك يؤكد على ان من قام بذلك الفعل هو شخص واحد .

    أمس الأول ، اعلنت مجموعة كانت منضوية تحت الجنرال تعبان دينق قاى ، نائب رئيس الجمهورية ، وبقيادة الجنرال قاتهوث قاركوث ، سحب الثقة عن تعبان دينق وتنصيب قاتهوث رئيسا لها ، هنا بالعاصمة جوبا خلال مؤتمر صحفي محضور ، شارك فيه اعضاء بالبرلمان وقيادات سابقة من مجموعة تعبان دينق ، في خطوة لم تكن فقط مفاجئة لاي مراقب ، لكنها طرحت بدورها أسئلة جديدة حول منصب نائب الرئيس ذات نفسه ، والذي قالت انه سيذهب الي مجموعة المعارضة المسلحة المتحالفة مع الحكومة ، ولم تحدد الاتفاقية شخصا بالاسم ، بل وتركت الباب مواربا امام اي شخص ترشحه المعارضة المسلحة المشاركة في الحكومة ، وقد حرص الجنرال قاتكوث ان يختار لمجموعته ذات الاسم الوارد في اتفاقية السلام ، وذات المؤسسة التي يحق لها ترشيح الشخص الذي تراه مناسبا لشغل المنصب ، وتعيدنا تلك التدابير الي مؤتمر فندق كراون في العام 2016 و الذي اعلنت فيه مجموعة تابعة للمعارضة المسلحة ترشيحها لوزير التعدين آنذاك الجنرال تعبان دينق ، ليكون بديلا لمشار في الحزب و الحكومة ، وقد كان . وحاليا يعود قارهوث ليستخدم ذات التكيك ، وينصب نفسه رئيسا للمعارضة ، ويحدد مائة يوم للتفاوض مع الحزب الحاكم بغرض الانضمام اليه بطريقة مستقلة وبعيدا عن تعبان دينق حسبما افاد بذلك في المؤتمر الصحفي ، فهل بات قاتهوث نفسه يطمح في منصب نائب الرئيس في الحكومة المقبلة ، أم انها مناورة كبيرة منه ومجموعته التي ظهرت معه في المؤتمر الصحفي ، للحصول علي مكاسب بعد المساومة ، لكن مع من ستكون المساومة ياتري ؟، الايام وحدها كفيلة بكشف ذلك .

  ايضا تمثل وحدة الحركة الشعبية التي تم الاعلان عنها مؤخراً ، فصلا كبيرا من فصول المتاهة السياسية بالبلاد ، سيما وانها قد جاءت دون ما نصت عليه وثيقة اتفاق اروشا . والتي حددت ثلاث فصائل رئيسية (الحكومة ، مجموعة المعتقلين السياسيين و مجموعة المعارضة المسلحة التابعة للدكتور ريك مشار) ، فما حدث هو ان تعديلا جوهريا قد طرأ علي وثيقة الوحدة الاندماجية الجديدة التي استبعدت مجموعة مشار و أحلت محلها فصيل تعبان دينق الذي لم يكن موجودا لحظة توقيع الاتفاق ، وقد هاجمت مجموعة مشار تلك الخطوة واعتبرت انها تعد تقويضا لاتفاقية السلام التي تعد واحدة من الاولويات الضرورية لتحقيق الاستقرار لشعب جنوب السودان ، ويجئ هذا ربما لاحساس المجموعة باقصائها من العملية ، او ربما تكون قد (قنعت) من خيرا فيها واختارت ان تمضي ككيان مستقل ، تتحدد خياراته مستقبلا في مقابل المجموعة التي توحدت تحت مظلة الحركة الشعبية ، وتلك ايضا خطوات تمت بتكتيك إستباقي للمرحلة التي تلي الفترة الانتقالية المقبلة .

     لقد كرست تلك الجماعات جل طاقاتها في ممارسة التكيك كل ضد الأخرى ، بهدف اضعافها ، وربما إقصائها من الساحة السياسية عبر الاستئثار بغنائم الاتفاق ، وقد استهلك ذلك جهدا وطاقة ذهنية ومادية جبارة منها ، وأهدر وقتا ثمينا في قضايا جانبية ، متاكد انه لو تم استغلال 50% منها في دعم تنفيذ اتفاقية السلام ، وابتداع افكار جديدة ، مثل تلك التي تم استخدامها في التكيكات التي ذكرناها ، لساهمت في وضع خارطة حقيقية تخرجنا من جميع تلك المتاهات وتفتح الفرص امام المستقبل الآمن لبلادنا .

 


مقالات الرأي التي تُنشر عبر موقع راديو تمازج تعبر عن آراء كُتابها وصحة أي ادعاءات هي مسؤولية المؤلف، وليست راديو تمازج