تقرير: إتفاق السلام في جنوب السودان ومسار التحول الديمقراطي

نص “الفصل السادس” في اتفاقية تسوية النزاع المُنشطة في جنوب السودان، على أن يتعين على حكومة الوحدة الوطنية الشروع في إقامة نظام حكم ديمقراطي يعكس طابع جنوب السودان، حيث يضمن “الحكم الراشد، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، والعمل الإيجابي”.

نص “الفصل السادس” في اتفاقية تسوية النزاع المُنشطة في جنوب السودان، على أن يتعين على حكومة الوحدة الوطنية الشروع في إقامة نظام حكم ديمقراطي يعكس طابع جنوب السودان، حيث يضمن “الحكم الراشد، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، والعمل الإيجابي”.

لكن خطوات صياغة الدستور الدائم في جنوب السودان، والتي قد تقود إلى الإنتخابات مع نهاية الفترة الانتقالية، التي مدتها “36” شهراً، من أجل مشاركة الناس في الحكم خلال إنتخابات حرة ونزيهة وتفويض سلطات الموارد إلى الولايات والمقاطعات، حسب الوارد في الاتفاقية – تسير على ما يرام.

عملية التحول الديمقراطي عادة تشير إلى التحول من نظام أقل ديمقراطية  – “الشمولية” – إلى مجتمع أكثر ليبرالية وديمقراطية، تسود فيه قيم الديمقراطية من  الانتخابات الدورية الحرة والعادلة والموثوقة، وحكم القانون والقضاء المستقل والمجتمع المدني النشط والإعلام الحر.

في شهر أكتوبر الماضي، طلب مجلس الأمن، من الأمين العام تشكيل فريق مخصص لمساعدة العملية الانتخابية في جنوب السودان، والطريق نحو المستقبل الديمقراطي في البلاد. في وقت تزداد فيه الضغوطات الدولية والإقليمية على أطراف الاتفاقية من أجل قيام انتخابات حرة مع نهاية الفترة الانتقالية، وهي عكس ما تنظر إليه المراقبون المحليين.

يقول الناشط السياسي إدوارد أندور أشيك – عن التحول الديمقراطي في جنوب السودان – إن وجود نظام الحزب الواحد وغياب الحريات السياسية لخلق حراك سياسي في جنوب السودان يشكل تحدياً لعملية التحول الديمقراطي في الوقت الحالي.

ويضيف أشيك، في مجمل حديثه لراديو تمازُج، أن واحد من مشاكل التحول الديمقراطي حالياً، هي أن الحركة الشعبية في المعارضة المسلحة بقيادة نائب الأول لرئيس الجمهورية رياك مشار، وهي طرف أساسي من الموقعين على اتفاقية تسوية النزاع المنشطة، هي عاجزة عن ممارسة نشاطها السياسي وتحتاج أن تقوم بإخطار جهاز الأمن إن أراد ممارسة أي نشاط سياسي.

وتابع: “لا يمكن الحديث عن نظام ديمقراطي في ظل إمكانيات محدودة، وما يحدث حالياً هي نظام ديكتاتوري لا يقبل برأي والرأي الآخر، وفتح المجال لجميع المنظومات السياسية أو الأجسام المدنية للتعبير عن آرائها”..

الصحفي والمحلل السياسي فرانسيس مييك، يرى في ذلك أن البيئة السياسية في جنوب السودان تهيمن عليها طابع “حمل السلاح لتحقيق أهداف الوصول إلى السلطة” –  ويقول: “القيادات السياسية في جنوب السودان على فترات الحرب الطويل لن يتعلموا العمل السياسي المدني والحل السلمي للقضايا، لذا نجد أن الخيار العسكري يشكل جزء أساسي في الحراك السياسي بالبلاد”.

وقال مييك، أن ممارسة الحريات السياسية بشكل عام واتاحة الفرصة لتأسيس تنظيمات سياسية تعبر عن آرائهم دون قيود، وحريات سياسية للجميع، ووقف  – “إستخدام العنف والاعتقالات التعسفية والتهديدات الأمنية بسبب الآراء” – يساعد في تنظيم العمل السياسي ولعب دور مهم في عملية التحول الديمقراطي في جنوب السودان.

ويتابع في حديثه لـ تمازج: “من غير اتاح الحريات لا يمكن الحديث عن دولة ديمقراطية في جنوب السودان، ومهمة منظمات المجتمع المدني تتمثل في سد الفجوة بين الدولة والمجتمع، و تمكين المواطنين من المشاركة السياسية بشكل فعال من القاعدة إلى القمة”.

في أكتوبر هذا العام، قالت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنوب السودان، إن استهداف الدولة لـ النشطاء البارزين عن حقوق الإنسان سيكون له تأثير مخيف على المجتمع المدني، ويعرقل المشاركة العامة ويقوض الثقة في العمليات المهمة للعدالة الانتقالية، وصياغة الدستور والانتخابات الوطنية.

وقال الكاتب الصحفي شوكير ياد، لراديو تمازُج، إن وجود احزاب سياسية ضعيفة و غير فعال، وغياب الإرادة السياسية، وعدم وجود مجتمع مدني قوي ضامن لحقوق المواطن والحريات، وغياب الثقافة السياسية للمواطن الذي يتجاهل أبسط حقوقه السياسية، تشكل تحدياً تواجه عملية التحول الديمقراطي في جنوب السودان.

في نظر كليتو، فإن جنوب السودان بعيد تماماً في مسالة التحول الديمقراطي في الوقت الراهن نسبة لعدم تنفيذ استحقاقات التحول نفسها المنصوص في الاتفاقية المنشطة من الإصلاحات السياسية حسب حديثه.

يضمن الدستور الانتقالي لجنوب السودان الحق في حرية التجمع وتكوين الجمعيات، لكن ممارسة تلك الحريات تشكل تحديا أمام المواطن والصحافة والنشطاء السياسيين. حيث يتعرضون للمضايقات من قبل أجهزة أمن الدولة.

مسار اتفاق السلام نحو التحول الديمقراطي

يرى العديد من المراقبين إن فرص نجاح عملية التحول الديمقراطي، رغم الضغوطات الدولية والإقليمية لأطراف الاتفاقية، يبدو ضئيلة نظراً لتأخر تنفيذ العديد من بنود الاتفاقية مقارنتةً بالفترة الزمنية المتبقية لنهاية الاتفاقية.

المجتمع  الدولي والإقليمي، يشددان على قيام الانتخابات في موعدها، خاصة الوثيقة المقدمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة في أكتوبر الماضي، على أن الانتخابات يجب أن تسبقها عملية صياغة دستور شامل وشفافة تتم في بيئة تحترم حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي وتشجع المشاركة المدنية.

ويقول الكاتب الصحفي شوكير ياد، في حديثه إن اتفاقية تسوية النزاع المُنشطة، يمكن أن يكون مُخرج للأزمة السياسية إذا كان هناك معارضة قوية وملتزمة بأهداف معين، وقال: “الانشقاقات والتحولات بين المعسكرات السياسية، أنتج معارضة غير قادرة على مجاراة الحكومة، وهذا يؤدي إلى الانتكاس، نتيجة التماهي للحركات المعارضة والقوة السياسية الآخرى، وهذا جعل الحزب الحاكم أن يجد نفسه وحيداً في الساحة السياسية دون منافسة”.

ويرى كليتو، أن القادة السياسيين في البلاد غير حريصين على الإستقرار السياسي و يختزلون مسألة التحول الديمقراطي في تقاسم “السلطة”.

الصحفي والمحلل السياسي، فرانسيس مييك، يرى أيضاً أن اتفاقية تسوية النزاع المنشطة، صممت من أجل أن تساهم في عملية التحول السياسي من “العنف السياسي إلى السلم”، وإتاحة الفرصة للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لتوعية المواطنين عن حقوقهم.

ويقول مييك، أن الاستقرار السياسي من أجل التحول الديمقراطي في جنوب السودان، يحتاج إلى تأسيس “جيش واحد محايد سياسياً لا يتبع لأي تنظيم أو فصيل سياسي – فصل الجيش عن السياسة”.

وأضاف: “إصلاح القطاع الأمني وتحديد صلاحيات جهاز الأمن وإيقاف التوترات الأمنية في بعض المناطق من النزاعات القبلية، وشكل تنفيذ بند الترتيبات الامنية توضح شكل الاتفاقية، وهي من تحدد مستقبل جنوب السودان في التحول من مرحلة العنف السياسي إلى عمل ديمقراطي تقود لإجراء الإنتخابات مع نهاية الفترة الانتقالية”.

يقول الناشط السياسي أندرو أشيك، إن فرص التحول الديمقراطي في البلاد ضئيلة جداً بسبب عدم إلتزام الحكومة الحالية في جوبا “مجموعة سلفاكير”، بتنفيذ بنود اتفاقية السلام خاصة ما يتعلق بالترتيبات الأمنية وتضمين الاتفاقية في دستور البلاد. على حسب حديثه.

يرى أشيك، أن القيادات السياسية في جنوب السودان، غير ملتزمين بتنفيذ السلام، وأن الخلافات الداخلية داخل الأحزاب مؤشر واضح على عدم رغبة السياسيين في الاستقرار السياسي، وقال: “إذا نظرنا للحزب الحاكم بقيادة سلفاكير، ينشط داخل الحزب كتل متعددة، بجانب مركزية الفرد الواحد في صنع القرار، والصراعات القبلية، وتجد أيضاً أن هذه القيادات تعمل من أجل مصالحها الشخصية”.

ويرى العديد من المراقبين والمحللين، أن تحقيق التحول الديمقراطي في جنوب السودان، يحتاج إلى تكوين مؤسسات التحول السياسي في الدولة، يقود الى إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتشجيع الأحزاب السياسية ذات الإيديولوجية وتنشط المجتمع المجتمع المدني.

معادلة الأحزاب السياسية وحركات المعارضة المسلحة

الواقع في جنوب السودان يبدو صعبة في تحديد مسار التحول الديمقراطي “ممارسة الثقافة الديمقراطية”، فيما يتعلق بالأدوار الرئيسية لأطراف الاتفاقية من الانفتاح السياسي وإشراك جميع مكونات المجتمع وسيادة القانون وحقوق المواطن.