كشف العديد من المعتقلين السابقين في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات الدعم السريع في الفاشر بولاية شمال دارفور السودانية، عن قصصهم المأساوية بعد إطلاق سراحهم.
وتسلط هذه الروايات المروعة الضوء على الظروف اللاإنسانية داخل مراكز الاحتجاز هذه، بما في ذلك الجوع الشديد والتعذيب الذي أدى إلى الوفيات.
وأجرى راديو تمازج مقابلات مع العديد من الناجين من مراكز الاحتجاز التابعة للدعم السريع وأسر الضحايا الذين فقدوا حياتهم بشكل مأساوي بسبب التعذيب أو المجاعة.
وقضي شرطي يبلغ من العمر 25 عاما، يشار إليه في هذا التقرير باسم “حكيم” لأسباب أمنية، أسبوعين في مركز الاحتجاز التابع لقوات الدعم السريع قبل إطلاق سراحه.
و يروي حكيم تجربته قائلاً: “لقد اعتقلني قائد مخابرات الدعم السريع بشمال دارفور، عباس كتار ، من منزل عائلتنا، مع اثنين من إخوتي، أحدهما صديق لأخي الأصغر. قاموا بضربنا، كانوا يبحثون عني لأنني ضابط شرطة، رغم أنهم لا يعرفونني شخصيا”.
وقال إنه لدى وصولهم إلى مركز الاحتجاز الواقع غرب حي الجبل شرق الفاشر، تعرض شقيقه الأكبر لمعاملة وحشية وتم قطع إحدى أذنيه.
وتابع”هذا ما دفعني إلى الاعتراف بأنني “ضابط شرطة” في محاولة للتخفيف من الضرب الذي تعرض له أخي”.
وظل حكيم رهن الاحتجاز ، وكشف أن والده كان يزوره يومياً، وأن قائد قوات الدعم السريع طلب في اليوم الرابع عشر فدية مالية قدرها 700 ألف جنيه سوداني، أي ما يعادل 1000 دولار أمريكي، مقابل إطلاق سراحه.
وقال حكيم: “اضطر والدي وأقاربي الآخرون إلى جمع الأموال من أجل إطلاق سراحي”.
وبعد أن استعاد حريته، أرغمته قوات الدعم السريع على القسم بأنه لن يستأنف عمله كضابط شرطة أبدًا.
واضاف”لقد أجبروني على أداء القسم بعدم العودة كضابط شرطة نشط مرة أخرى”.
وكشف حكيم أن المعتقلين لا يحصلوا إلا على وجبة واحدة وكوب أو كوبين من الماء يوميا، مما أدى إلى وفياتهم المستمرة بسبب الجوع.
وقال: “شهدت وفاة أحد جيراننا في المعتقل وآخرين لا أعرفهم”.
ووفقاً لحكيم، كان المعتقلون المدنيون يموتون يومياً، وخاصة أولئك الذين تم جلبهم من كبكابية وكتم وغيرها من المناطق لأكثر من ثلاثة أو أربعة أشهر.
واضاف “كثيرون يموتون من الجوع والأمراض المزمنة بسبب نقص الأدوية ، بالإضافة إلى ذلك، لقي بعضهم حتفهم بسبب انقطاع التواصل مع عائلاتهم، كما تعرضوا هم أيضاً لطلب فدية مالية.”
واوضح انه لا يتم دفن المعتقلين المتوفين بطريقة إنسانية ، وإحدى العائلات لم تعرف أن ابنها توفي بسبب انقطاع الاتصالات، إلا عندما أبلغهم أحد المحتجزين المفرج عنهم.
هذا وروى عثمان عيسى إسماعيل، 57 عامًا، والشقيق الأكبر لآدم عيسى، الذي توفي في أحد سجون قوات الدعم السريع بالفاشر مطلع يونيو/حزيران، قصة وفاة شقيقه التي تؤلم القلب.
و غادر آدم، البالغ من العمر 53 عامًا وأب لستة أطفال، المنزل لمرافقة أخته إلى الميناء البري شرق المدينة في رحلتها إلى الخرطوم، لكنه لم يعد أبدًا.
وتابع “لقد تحملت الأسرة 18 يومًا مؤلمًا دون أخبار عن آدم وفي اليوم التاسع عشر، ظهر شخص غريب في الأربعينيات ، ليبلغنا الأخبار المروعة عن اعتقال آدم ووفاته لاحقًا”.
كما أبلغ الغريب ، عثمان ، أنه تم إطلاق سراحه وعشرة آخرين بعد وصول القائد من منطقة الكومة شرق الفاشر.
وكشف معتقل آخر، يُدعى “أحمد” لأسباب أمنية، أنه أمضى نحو أسبوع في مركز الاحتجاز ، وتم إطلاق سراحه أيضاً بفدية مالية، لكنه لم يحدد المبلغ الدقيق الذي دفعته عائلته.
وكشف أحمد أنهم أجبروا على دفن المعتقلين المتوفين داخل السجن خلال أسبوع وجودهم في المحتجز.
وقال “بعد عدة حوادث من هذا القبيل، تم نقلنا لحفر خنادق في جبل حلوف شمال معسكر أبوجا”.
ووصف أحمد بشكل مخيف الظروف داخل مراكز الاحتجاز التابعة لقوات الدعم السريع بأنها “مروعة” وشبهها بالكابوس.
وأفادت وسائل إعلام محلية وناشطون بولاية شمال دارفور عن وفاة رقيب شرطة أحمد موسى تحت التعذيب بعد ثلاثة أيام من إطلاق سراحه من قبل قوات الدعم السريع في يونيو الماضي.
بالإضافة إلى ذلك، قتلت نفس القوات بالرصاص مزارعًا يُدعى أحمد، كما قُتل حسن إبراهيم بالرصاص في أغسطس/آب عندما سُرقت سيارته ماركة أفانتي، ولا يزال أكثر من 100 عنصر من القوات النظامية وعشرات المدنيين محاصرين في هذه السجون.
وأفاد الناشط أحمد آدم، بأن المواطنين في مختلف الأحياء الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع مثل الجبل والمصنع والتضامن والكهرباء والأسرة والمعهد أ وب وشاكرين، يتعرضون لانتهاكات متواصلة، من اعتقالات تعسفية وطلب فدية ونهب وسطو واقتحام للمنازل.
وبين أن هذا الوضع دفع الكثيرين إلى البحث عن ملجأ في الأحياء الجنوبية للفاشر بحثاً عن الأمان.
واتهم ناشطون وبعض المعتقلين المفرج عنهم قائد استخبارات الدعم السريع عباس كتار ، بالإشراف على عمليات اعتقال وتعذيب وانتهاكات واسعة النطاق في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع شرق الفاشر.
وفي حادث منفصل، اعتقل قائد استخبارات الدعم السريع في شمال دارفور ابن شقيق مستشار رئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير ميارديت ، عندما كان في طريقه إلى دولة مجاورة على الحدود الغربية مع السودان ، وطُلبت منه فدية مالية مقابل إطلاق سراحه، وتم تسهيلها في النهاية بتدخل والي شمال دارفور.
وأعرب الدكتور عباس التجاني، الباحث في دراسات السلام وحقوق الإنسان، عن قلقه إزاء تزايد الانتهاكات غير المبلغ عنها في مناطق النزاع، خاصة في إقليم دارفور.
وشدد على ضرورة تدخل منظمات المجتمع المدني وحث الأطراف المتنازعة على وقف هذه الانتهاكات ورصد ومساعدة الضحايا في الإجراءات القانونية المحتملة في المستقبل.
من جانبه قال عزت إبراهيم يوسف، المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو، ردا على سؤال للتعليق”لم نتلق أي شكوى من المواطنين بشأن تلك الاتهامات ولا نسمع سوى تلك الشكاوى من الإسلاميين وشركائهم”.
كما أعرب المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع عن ترحيبه بقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإنشاء بعثة للتحقيق في مزاعم الانتهاكات في السودان.