رأي: استمرار الحرب “المليجيشية” العدمية فى السودان ، دون أدني اكتراث لحياة المدنيين!.

أكتب صباح اليوم، الأربعاء 23 أغسطس 2023، ومازالت الحرب الكارثية فى السودان، تدور رحاها – وبقسوة – فى الخرطوم وأم درمان، فى شكل طلعات جوية لطائرات الجيش، تقابلهل مضادات أرضية من الدعم السريع، بين هجومٍ وقصفٍ، وهجومٍ وقصفٍ مُضاد، واشتباكات فى معارك حرب أثبتت – وتُثبت كل يوم – أنّها حرب عبثية وخاسرة

مدار أوّل:

“الحرب أوّل ما تكون فتيّةً .. تسعى بزينتها لكلِّ جهُول .. حتّى إذا أستعرت وشبّ ضِرامها.. عادت عجوزاً غير ذات خليلِ .. الشمطاء جزّت شعرها وتنكّرت .. مكروهةً للشمِّ والتقبيلِ …” ((عمرو بن معد يكرب))

-1-

أكتب صباح اليوم، الأربعاء 23 أغسطس 2023، ومازالت الحرب الكارثية فى السودان، تدور رحاها – وبقسوة – فى الخرطوم وأم درمان، فى شكل طلعات جوية لطائرات الجيش، تقابلهل مضادات أرضية من الدعم السريع، بين هجومٍ وقصفٍ، وهجومٍ وقصفٍ مُضاد، واشتباكات فى معارك حرب أثبتت – وتُثبت كل يوم – أنّها حرب عبثية وخاسرة، بمثلما تدور رحاها، وبصورة أفظع فى دارفور الكبري، إذ مازال الطرفان المتحاربان (الدعم السريع) و(الجيش السوداني) يخوضان غِمار حربٍ – بـ”الوكالة” – مجنونة وعدمية، ويهرولان بخطوات ليست متزنة، وحماقات بائنة، فى سباق عسكري محموم، لكسب مواقع على الأرض، يظنان – عبثاً- أنّهما، بهذا “التكتيك” المكشوف، يقويّا موقفهما التفاوضي، فى مفاوضات جدة المتمهلة، أو هكذا يظن مُشعلوا نيران الحرب اللعين، حيث يتبادل الطرفان الإتهامات حول من هو البادىء ومن هو المنتهى، ومن المنهزم، ومن المنتصر، ومن الخاسر، ومن الرابح، فى حربٍ الخاسر الأوّل والأخير فيها هو الوطن، بينما يروّج كل طرف وهم أنه على مقربة من حسم المعركة، دون أدنى اِكتراث لحياة المدنيين، وكافة “الأعيان المدنية”، ودون مراعاةً لأخلاقيات الحرب، إن كان لهذه الحرب “المليجيشية” المجنونة، فى السودان، أخلاق تُرعي، أو أهداف وطنية عُليا، تُحقّق!.

-2-

 فى هذا المشهد الحربي القاتم، شديد الإظلام، تشهد ولاية غرب كردفان، وعاصمتها الفولة، تطورات كارثية، فى المواجهات المسلحة، كما فى انتهاكات حقوق الإنسان، مضافاً إلى تدهور الأوضاع الإنسانية المزرية، فى ولايتي جنوب وشمال دارفور، اللتين أصبحتا جحيماً لا يُطاق، بسبب تمدد مساحات القتل على الهوية، وتكثيف الهجمات “العرقية”، وسيادة انتهاكات العنف الجنسي الموجه للنوع الإجتماعي، واتساع دائرة استخدام سلاح الإغتصاب و”السبي” ضد النساء والفتيات، وهو سلاح صديء، مُحرّم ومُجرّم دولياً، يشكّل جريمة حرب، وفق القانون الدولي، ولهذا، يجب أن لا يتمتع مرتكبوا هذه الجريمة الوحشية والبشعة، بالإفلات من العقاب، طال الزمن أم قصُر، كما يجب – من قبل، ومن بعد – مساعدة ضحايا العنف الجنسي، فى الحصول على الرعاية والحماية والعدالة !.

-3-

 فى هذا المناخ الحربي المتصاعد بوتائر متسارعة، يمضي الوضع الإنساني فى كل السودان، من سيءٍ إلى أسوأ، وتعاني المُدن التى تشهد “الإشتباكات” و”المواجهات” العنيفة بين طرفي القتال، فى الخرطوم، وأم درمان، والجنينة، ونيالا، وغيرها، من نقصٍ مُريع فى الخدمات الضرورية، كما يتواصل تدهور الخدمات الصحية، ويشُح مخزون الأدوية، بما فى ذلك، الأدوية المُنقذة للحياة، فى كل مُدن البلاد الأُخري، التي استضافت بيوتها ومدارسها ومرافقها العامة، آلاف الفارين والفارات، والناجين والناجيات، من جحيم الحرب اللعين!.

-4-

اللاجئون واللاجئات فى دول الجوار، والعالقون والعالقات فى منافذ العبور، من جحيم الحرب المباشرة، إلى جحيم المعاناة من آثارها المدمرة، يُعانون الأمرين: ضعف القدرات الشرائية، وصعوبة الوصول لمراكز تقديم الخدمات المجانية، أو قلية التكاليف، ولنا أن نتخيّل أنّ مدينة (أدري) بتشاد – على سبيل المثال، لا الحصر –  فاق عدد اللاجئين فيها عدد السكان المحليين، وهذا، بلا شك، يُعقّد المشهد والوضع الخدمي للجميع، بينما، يُثقل كاهل الآباء والأمهات، فى دولٍ أُخري – مصر وكينيا وإثيوبيا ويوغندا “نموذجاً” – ارتفاع أسعار السكن، والتعليم للأبناء والبنات، فى سن التعليم العام، وفاقم الأمر، ظهور وانفتاح شهية “مافيا” التعليم الجامعي، التي آثر بعض “عرّابيها” استغلال ظروف الحرب، فى جعل التعليم الجامعى، سلعة استثمار حرب، ليصبح التعليم الجامعى “طبقياً” يستحقه – ويناله – ويتمتع به، أبناء وبنات الأغنياء “فقط”، فيما تضيع السنوات والأعوام الدراسية، على أبناء وبنات الفقراء، وحتّى من هم/ن فى عداد الطبقة الوسطي، التي أفقرها إقتصاد الحرب تماماً، فأصبحت بين عشيةٍ وضحاها طبقة مُعدمة، كنتيجة موضوعية لهذه الحرب الكارثية، التي دمّرت – ومازالت – تدمر الوطن !.

-5-

هناك تطورات مُزعجة ومُخيفة ومُروعة، فى ولاية جنوب كردفان، التي شهدت مؤخراً معارك حربية، بين الحركة الشعبية شمال/ عبد العزيز الحلو، والجيش السوداني، فيما يهدد العنف القبلي فى ولاية النيل الأزرق، الأمن والإستقرار الذي كان حتي أمسٍ قريب صعباً، ولكنه متاح إلى حدٍّ ما، فى ولاية طرفية نائية و(هشّة) ظلّت لسنوات طويلة فى حالة احتقان شديد، وقد أصبحت – الآن – معرضة لخطر انفجار الوضع الأمني والإنساني، فى أيّ لحظة، وبصورة كارثية !.

-6-

هناك حرب أُخري، لا تقل شراسة وضراروةً عن الحرب الأولي، تجري وتدور رحاها فى الميديا وفضاءاتها الواسعة، فى جبهة الدعاية “البروباقاندا”، وهي حرب شعواء، سلاحها، بث ونشر خطاب الكراهية والعنصرية والجهوية والقبلية، وتنشط فى حشد و”تجييش” الناس، والشباب – بصورة خاصة – ليصبحوا وقوداً للحرب الدائرة بين الطرفين. هذه الحرب تُستخدم  فيها منصات الميديا، والميديا الإجتماعية، وتعمل على مدي 24 ساعة فى اليوم، بصورة مكشوفة ومفضوحة، ومخطط لها بدقة وبخبرات عالية، ويُصرف عليها بـ(سخاء)، ويقودها – للأسف – صحفيون/ات – قِلّة -غيّبوا – تماماً- ضميرهم /ن المهني، وانضموا – طوعاً أو كرهاً، وترغيباً أو ترهيباً – إلى جوقة نشطاء و(متسكّعين) فى الميديا الإجتماعية، ليملأوا فضاءات وسماوات الميديا الإجتماعية بـ”لايفات” وفيديوها و(بودكاستات) هدفها الأساسي “صب الزيت فى نار الحرب المشتعلة”، ونشر الأخبار “المُضلِلة” و”المُضطرِبة”، وغايتها تمرير أجندات طرفي الحرب العبثية، تستخدم فيها لغة و”محتوى” وعبارات وألفاظ  مُسيئة، ومُحرضة على العنف، وليست حساسة تجاه الأخر، والمختلف، لغة تنعدم فيها الأخلاق، وتغيب معها مسئولية وأمانة الكتابة والكلمة المنطوقة.   

-7-

يحدث كل هذا، وذاك، بينما تعتصم الأُمم المتحدة، ببيانات تُعرب فيها عن “القلق” و”الشجب”، وتُطالب  الطرفين بوقف الحرب، فيما تشكو – منظمات الأمم المتحدة المختصة – لطوب السماء – من نقص التمويل، لمواجهة أوضاع وآثار الحرب “اللا إنسانية” فى السودان، والخوف من مصير آلاف النساء والفتيات، وهن يواجهن خطراً كبيراً، فرضته أعمال العنف الجنسي، والذي يشمل الإغتصاب، وارتفاع وتيرة العنف القائم على النوع الإجتماعي، بصورة غير مسبوقة، فى مناطق النزاع فى دارفور!. 

-8-

أمام هذا الوضع المأساوي، ليس أمامنا – نحن، فى “العائلة” الصحفية – سوي مواصلة موقفنا المبدئي، وهو رفض الحرب، ورفع الصوت عالياً ضد هذه الحرب الكارثية، وضد مشعليها، دون الوقوع فى شباك وفِخاخ الإصطفاف، أو الإصطفاف المُضاد، الذي تدعو له، وتُغذيه (بروباقندا) الطرفين، بمناصرة هذا الطرف، أو ذاك.. ونعلم – نحن – أنّ موقفنا هذا، لا يُعجب أباطرة الحرب، ومشعلي نيرانها الحارقة، ولكنه، موقف يؤكّد أنّ الحرب هي أكبر إنتهاك لحقوق الإنسان.. ولن نمل مطالبة ومُناشدة زملاء وزميلات (مهنة البحث عن الحقيقة)، بنبذ الحرب، واتخاذ مواقف واضحة وصريحة وعلنية منها، والتمسك بالحق فى التغطية الصحفية عالية المهنية للنزاع، وتبني موقف متمسك ومنحاز لمعايير وأخلاقيات التغطية المهنية للصحافة الحساسة تجاه النزاعات المسلحة، وصحافة السلام، والتمسك بممارسة مهنية واحترافية تدعو لإحترام وتعزيز حقوق الإنسان، وتشجّع على التعايش السلمي بين مواطني ومواطنات هذا الوطن المكلوم، وتناهض خطاب الكراهية والعنصرية، وتُبشّر بـ(صحافة السلام)، و(صحافة حقوق الإنسان) التي علينا الإلتزام بمناهجها ومعاييرها وأخلاقياتها الصارمة، فى التغطية الصحفية للحروب والنزاعات، وبعلومها، وفنونها، فى مقابل ومواجهة (صحافة الحرب)، التي يمولها ويروج لها، ويعمل على انتشارها فى الفضاء الصحفي والإعلامي، أمراء مليشيات وجنرالات الحرب العدمية فى السودان… وليكن شعارنا وكل جهدنا الصحفي، المناداة بوقف وإنهاء هذه الحرب الكارثية… لا للحرب .. نعم، لا للحرب.. أوقفوا هذه الحرب الكارثية، اليوم قبل الغد!.  

جرس أخير:

“حرب لا لا لا لا .. كُبري .. إسبتالة .. صالة للثقافة .. تمرح الغزالة .. جنبها، الزرافة” ((محجوب شريف))

فيصل الباقر

faisal.elbagir@gmail.com


مقالات الرأي التي تُنشر عبر موقع راديو تمازج تعبر عن آراء كُتابها وصحة أي ادعاءات هي مسؤولية الكاتب/ة، وليست راديو تمازج