في حوار التالي يتحدث السلطان بلبك دينق كوال، كبير سلاطين أبيي عن مطلب الحكم الذاتي الذي يطالب به سكان “دينكا نقوك” في منطقة إدارية أبي الخاصة.
س: السلطان لماذا تطالبون بالحكم الذاتي لمنطقة ابيي في الوقت الراهن؟
ج: طالبنا بتقرير المصير نتيجة المعاناة التي عاشه مجتمع نقوك لفترة طويلة، منذ فترة الحرب الأولى “انيانيا –1″، ثم الحرب الثانية “انيانيا – 2”. ومجتمع نقوك شارك في كل الاحداث التي حدثت في جنوب السودان، لذا فإن كل المعاناة التي عاشته شعب جنوب السودان مجتمع نقوك كان جزء لا يتجزأ منها.
اثناء اتفاقية أديس ابابا عام 1972م، قد اعطى لمجتمع نقوك حق الاستفتاء لتقرير مصيرهم هل يريدون العودة إلى جنوب السودان؟ أم البقاء في السودان… وعلى الرغم من ان هذه الاتفاقية لم تعط حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان، إلا أن من المفترض أن تتم مشاورة شعب دينكا نقوك حول عودة المنطقة اداريا إلى بحر الغزال او البقاء تحت إدارة كردفان.
اثناء اتفاقية السلام الشامل- نيفاشا عام 2005م، والتي منحت شعب جنوب السودان حق تقرير المصير، منحت الاتفاقية ايضا حق المشورة الشعبيةل، “دينكا نقوك” حتى تقرر مصيرها ما اذا كانوا يريدون العودة إلى جنوب السودان ام البقاء جزء من اقليم كردفان في السودان. لكن لسؤ الحظ لم يتم اجراء المشورة الشعبية لسكان دينكا نقوك، والتي من المفترض ان تتم في فترة 3 سنوات قبل استفتاء جنوب السودان. بعد هذا الفشل، كانت هناك مقترحات باجراء هذه المشورة الشعبية مع نفس توقيت، وإجراء استفتاء لشعب جنوب السودان في العام 2011م. الا أن هذا لم يتم ايضا.
كل هذه الفترة لم تتم معالجة المشكلة سرعان ما تفاقم الصراع بين حكومة السودان وحكومة جنوب السودان حول تبعية المنطقة. حيث وصلت الصراع إلى ضرورة تحديد وترسيم حدود منطقة قبائل دينكا نقوك ال9، والتي تم تحويلها اداريا في العام 1905م إلى كردفان، حتى تكون الحدود معروفة لجميع. هذا ما دفع بالقضية لتصل المحكمة الدولية في لاهاي، وبالفعل حسمت المحكمة في هذا الشأن. لذلك، من المفترض أن يكون الحدود المعروفة بين السودان وجنوب السودان هي حدود منطقة ابيي.
بعد كل هذه الخطوات من المفترض ان نرى هناك اخذ الخطوات العملية لضم منطقة ابيي الى حدود دولة جنوب السودان. وعلى حسب مقترح رئيس الجنوب الإفريقي الأسبق ثامبو مبيكي، فإن حق التصويت فقط لقبائل دينكا نقوك التسعة. المقترح لم يتحدث عن مشاركة المسيرية في التصويت حول تقرير مصير المنطقة لكن البروتوكول اعطاهم حق الرعي الموسمي في المنطقة وتواصل علاقات الجيرة.
بعد إجراء الاستفتاء من جانب مجتمع نقوك، والتي ساهمت حكومة الرئيس سلفا كير في حماية العملية من المفترض أن تعتمد حكومة جنوب السودان نتائج الاستفتاء وتتبنى رأي سكان ابيي من دينكا نقوك. لكن هذا لم يحدث، لظروف معلوم لدي الحكومة لم يعتمدوا نتائج ذلك الاستفتاء.
صبرنا على قراراتهم حتى لا يحدث احتكاك بين البلدين كل حين والاخر، لكن خلال هذه الفترة، اصبحت المنطقة تعاني كثيرا، من ارتفاع في نسبة معاناة اهالي المنطقة منها الموت والتهجير القصري والاستيطان الإجباري واختطاف الاطفال واغتصاب النساء وغيرها من الانتهاكات اصبحت تزداد من حين لآخر.
كل هذه الاسباب وغيرها دفعنا أن نطالب بالحكم الذاتي حتى لا نكون سبب صراع دائم بين البلدين “السودان وجنوب السودان” ولكي يعيش الشعبين في علاقات متبادلة فيما بينهم وحتى أن يصلوا فيما بعد إلى حل وسط لقضية منطقة ابيي دون خلافات حاد. وفي نفس الوقت يعيش مواطن منطقة ابيي في الأمان والإستقرار مثل جميع المجتمعات.
س: من حديثك نفهم مطلب الحكم الذاتي هي بسبب تباطؤ حكومة جنوب السودان بقيادة سلفاكير لحل القضية؟
ج: هذه هي معظم الحقائق حول الموضوع ولطالما أن الكل تتطلع على حياة كريمة في ظل الاستقرار لغيرنا، فإننا نستحق أن نعيش في أمان والاستقرار أيضا، لا يمكن أن يعيش شعبا البلدين في أمان دوننا، إن ليست بإستطاع الحكومتين على توفير الاستقرار لنا فلنا الحق أن نحكم أنفسنا تحت حماية الأمم المتحدة حتى نجد الاحترام المطلوب.
نريد أن نرى النهاية للاستيطان بالمنطقة ووقف قتل المدنيين والتهجير القصري واختطاف الأطفال واغتصاب النساء، نريد أن نتحرك بحرية ليس في منطقة مغلقة، لأن عندما يخرج المدنيون للبحث عن سبل الحياة في مرات عديدة تحدث جرائم القتل أو نهب الأبقار أو حرق المنازل، لذلك طالبنا بحق الحكم الذاتي حتى نضع حدا لمعاناة المواطن لأنه الحل النهائي وقد يتحقق فيما بعد.
س: إذا تحقق الحكم الذاتي هل لديكم موارد لإدارة المنطقة؟
ج: نحن على يقين أن من أسباب معاناة شعبنا في المنطقة هي الصراع حول الموارد، كل جهة له طموحات على موارد المنطقة مثل البترول والأرض والغابات والأسماك، أبيي هي منطقة غنية جدا وهذا ما يجلب لنا المشاكل.
س: وما هي شكلية الحكم الحكم الذاتي المطلوب إذا؟
ج: شكلية حكم المنطقة من المفترض أن تقوم على عاتق أبناء نقوك لطالما هناك موارد طبيعية موجودة في المنطقة، وعليهم تقسيم هذه الموارد على أنفسهم وإدارة شؤون مناطقهم.
س: تحدث عن حماية أممية، هل هذا يعني أن المنطقة ستظل تحت حماية طرف ثالث؟
ج: نتوقع أن نكون تحت مظلة الأمم المتحدة ويشرف على إدارتنا وحميتنا من الهجمات الخارجية، وكمجتمع دينكا نقوك، لا نستطيع أن ندخل في حرب مع دولة السودان أو جنوب السودان. لدينا أمثلة كثيرة حول العالم بنفس تجربة الحكم الذاتي.
س: بعض من أبناء أبيي اعتقلتهم الحكومة على خلفية الصراع بين أبيي وتويج، وتزايد المطالب بإطلاق سراحهم، هل هناك تطورات جديدة في القضية؟
ج: الصراع بين نقوك وتويج، بدأت منذ شهر فبراير 2022م. وعلى الرغم من اشتعال فتيل الصراع بين نقوك وتويج لأكثر من 7 أشهر حتى الآن، فإننا لا نعرف الدوافع الرئيسية لهذا القتال، لا توجد سابقة اختلافات بيننا مع تويج، ولا توجد هناك تاريخا للصراع بين أجدادنا، فيما اذكره حتى لدرجة أن الشعبين متزوجان فيما بينهم. حياتنا كانت متداخلة ومتعاونين كأخوين وجيران وأصدقاء، والحياة كانت بسيطة جدا، حتى هذه اللحظة لم يقم نقوك بأي هجوم على تويج، بينما شن مجتمع تويج أكثر من 30 هجوما على نقوك.
تم اعتقال ما لا يقل عن 9 من قياداتنا المدنية من نقوك وتقريبا 7 من القيادات العسكرية وهم موجودون حاليا في معتقلات “ونييك”، بينما 3 معتقلين من مجتمع تويج فقط، أنا لا أفهم لماذا يقوم مجتمع تويج بمهاجمتنا؟ حتى الآن أنا لا أفهم السبب. ونحن لا زلنا نتساءل عن أسباب الاعتقال حتى هذه اللحظة لا توجد بلاغات ضدهم ولا حتى تهم موجه لهم، فنحن لا نعرف من المسئول عن الاعتقالات.
وبحسب توصيات اجتماع أويل نص على الاتفاق على وقف العدائيات بين أبيي وتويج، لكن حتى هذه اللحظة تويج ما زال يهاجم نقوك ولم نسمع عن أي مساءلة من سلطات حكومة جنوب السودان.
س: هل تعتقد أن لجنة التحقيق برئاسة نائب الرئيس وقتها حسين عبد الباقي غير محايد بتال اعتقل قيادات أكثر من جانبكم؟
ج: هذه هي وجه النظرة من جانبنا، وحتى الاعتقالات هو خير دليل على ذلك وقد لعبت اللجنة دورا غير “عادل” وغير “نزيهة”، لأن القتال لم يقف وفي نفس الوقت ما زال هناك اعتقالات.
س: هل هناك استجابة لمطالبكم بخصوص المعتقلين؟
ج: لا بد من أن من إيقاف القتال بين أبيي وتويج، ونأسف جدا على أن سلاح حكومة جنوب السودان تم توجيه ضد نقوك “أبيي”، لأن لا يمكن أن يتم استخدام الزي العسكري والسلاح والذخيرة والسيارات العسكرية التابعة لدولة جنوب السودان ضد مواطني نفس الدولة، هناك عناصر من أبناء تويج استغلوا سلطة الدولة لتنفيذ الهجمات على أبيي، فنحن نرى أن هذه مسؤولية الدولة أن توقف القتال وتلقي القبض على أبرز المساهمين في تأجيج القتال بين المجتمعين.
س: ما هو تعليقك على خطاب الرئيس سلفاكير الأخير بشأن أبيي؟
ج: هذا كنا نتوقعه من قبل حكومة جنوب السودان منذ إجراء الاستفتاء من قبل 9 سنوات. لو كان هناك تحركات منذ الفترات الماضية لكان وجدت الحل الأمثل للمنطقة. لكن تجميد هذا الملف جعل مواطني نقوك أن يعيشوا دون كرامة ويفقدون الأرض والموارد، وهذا ما جعلنا نطالب بالحكم الذاتي.