قالت “هيومن رايتس ووتش” في بيان اليوم “الجمعة” إن قوات الأمن السودانية هاجمت بشكل متكرر أو استخدمت القوة المفرطة غير الضرورية، بما فيها القوة القاتلة، ضد المتظاهرين السلميين في الخرطوم. في 17 يناير/كانون الثاني 2022 وحده، سجلت مجموعات الأطباء مقتل سبعة متظاهرين بالذخيرة الحية، وثّقت هيومن رايتس ووتش ثلاثة حوادث منها.
في أعقاب الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول، اندلعت احتجاجات عديدة في مختلف أنحاء السودان، لا سيما العاصمة الخرطوم. وبحسب “لجنة أطباء السودان المركزية”، قتلت قوات الأمن 79 شخصا بينهم امرأة وتسعة أطفال. كان 17 يناير/كانون الثاني هو ثاني أكثر الأيام دموية منذ الانقلاب
وقال محمد عثمان، باحث السودان في هيومن رايتس ووتش: “على مدار أكثر من ثلاثة أشهر، تسببت قوات الأمن السودانية بأضرار جسدية خطيرة، وقاتلة في كثير من الأحيان، لقمع الاحتجاجات. ومع ذلك، وبعد سنوات من الإفلات من العقاب ورد الفعل الدولي الوديع على انقلاب القادة العسكريين في السودان، ارتكب هؤلاء جرائم خطيرة ضد المدنيين دون عواقب”.
قابلت هيومن رايتس ووتش عن بعد ثمانية شهود على أحداث 17 يناير/كانون الثاني، منهم شهود على ثلاث من حوادث قتل المتظاهرين السبعة، وطبيب في الخرطوم. كما حللت ستة مقاطع فيديو وثماني صور من 17 يناير/كانون الثاني منشورة على “فيسبوك”. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقيق في الأدلة المحيطة بعمليات القتل الأربع الأخرى المبلغ عنها أو تقييمها بشكل مستقل، رغم أن مجموعات الأطباء سجلت أسماء الضحايا وتفاصيلهم.
قال شهود إن شرطة مكافحة الشغب و”قوات الاحتياطي المركزي”، وهي وحدة شرطة عسكرية، قادت الرد العنيف في 17 يناير/كانون الثاني. قال ستة شهود إن القوات استخدمت الذخيرة الحية ضد المتظاهرين العُزل في مواقع متعددة على مدار اليوم. قامت الشرطة النظامية بضرب واعتقال المتظاهرين السلميين.
أكد ثلاثة شهود لـ “ليومن رايتس”، أن الشرطة لم تصدر إنذارات شفوية أو تعليمات بفض المظاهرة قبل إطلاق الغاز المسيل للدموع. قال أحد المتظاهرين إنه بدأ مع آخرين بإلقاء الحجارة وعبوات الغاز المسيل للدموع ردا على الشرطة.
وقال هيومن راتيس” ان مقطع فيديو نُشر على فيسبوك يؤكد روايات الشهود. ويظهر في الفيديو عربة مصفحة رباعية الدفع وصفين لحوالي 45 شرطي من مكافحة الشغب عند تقاطع قريب من محطة شروني للحافلات على بعد 250 متر شمال محطة الباصات. في الفيديو، يمنع عناصر الشرطة دخول الطريق المؤدي إلى القصر الرئاسي.
تجمع المتظاهرون على بعد 15 إلى 20 متر، على الجانب الآخر من التقاطع، وهم يهتفون ويحملون لافتات. يظهر أربعة متظاهرين في مقدمة الحشد يشبكون أيديهم لتشكيل سلسلة بينما يديرون ظهورهم للشرطة. يمكن رؤية سحابة من الغاز ومتظاهرون يهربون من الشرطة.
إطلاق عبوات الغاز المسيل للدموع مباشرة على الناس قد يسبب إصابات خطيرة، خاصة من هذه المسافة القريبة، وينتهك المعايير الدولية. أفاد مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في منتصف يناير/كانون الثاني أن أكثر من ربع المصابين منذ الانقلاب أصيبوا مباشرة بقنابل الغاز المسيل للدموع.
من خلال مطابقة المعالم الظاهرة في الفيديو مع صور الأقمار الصناعية، حددت هيومن رايتس ووتش الموقع على أنه محيط محطة شروني للباصات. تُظهر لقطات من الفيديو مواقع المتظاهرين والشرطة.
قال شاهدان إن قوات الاحتياطي المركزي ظهرت من الشرق بعد حوالي 30 دقيقة. قال متظاهر عمره 27 عاما إنه رأى ما بين 20 و30 عنصرا من الاحتياطي المركزي، بعضهم أطلق الذخيرة الحية على المتظاهرين. بينما لم يتمكن هذا المتظاهر من التعرف على أسلحتهم، حددت هيومن رايتس ووتش في فيديو نُشر على فيسبوك عنصرا في الاحتياطي المركزي من خلال زيه الكاكي المموه. كان يحمل بندقية هجومية “كلاشينكوف” قابلة للطي ويصوب نحو المتظاهرين.
قال شاهد آخر كان عند متراس وضع بشكل ارتجالي على الجانب الشرقي من محطة الحافلات إنه رأى أول وابل من الرصاص لكنه بقي مع آخرين عند الحاجز هناك. رأى مركبتين تقتربان: سيارة كاكية اللون تابعة لقوات الاحتياطي المركزي، وشاحنة “بيك-آب” بيضاء لا تحمل لوحة وعناصر يرتدون ملابس مدنية في الخلف.
قال الشاهد إنه بين الساعة 2 و2:30 بعد الظهر، سمع عيارات نارية بينما كان المتظاهرون يرشقون الحجارة على عناصر الاحتياطي المركزي المسلحين الذين كانوا يقتربون منهم. رأى متظاهرا يُصاب وينزف. علم لاحقا أنه عثمان الشريف (40 عاما)، والذي توفي لاحقا. ذكر تقرير الطبيب أنه أصيب بطلقات نارية في الحوض والفخذ الأيمن.
بعد ذلك بوقت قصير، قال متظاهر آخر، عمره 26 عاما، إنه انتشر مع متظاهرين آخرين حول محطة الحافلات، بينما طاردتهم شرطة مكافحة الشغب، والاحتياطي المركزي، والشرطة العادية، واعتقلوا بعضهم وضربوا آخرين بالهراوات وأعقاب البنادق.
قال أربعة متظاهرين إن رد القوات الأمنية اشتد حوالي الساعة 3 بعد الظهر، عندما انسحب المتظاهرون من الشارع وتجمعوا لمنع قوات الأمن من الوصول إلى “مستشفى الجودة”، حيث كان يُنقَل المتظاهرون المصابون. داهمت قوات الأمن في مناسبات عدة المرافق الصحية وتحرشت بالطواقم الطبية والمرضى.
قال ثلاثة شهود إنهم، بين الساعة 3:30 و4:30 بعد الظهر، رأوا متظاهرَين – حسن إبراهيم البشير (29 عاما) والحاج مالك (21 عاما) – يصابان بعيارات نارية قاتلة في الشارع بالقرب من مستشفى الجودة، وإصابة آخرين.
قال صديق للبشير كان معه: “القوة المهاجمة الرئيسية كانت شرطة مكافحة الشغب، المكونة من عدد من عناصر المشاة وبعض الشاحنات. سمعت عيارين ناريين. فجأة شعرت برصاصة تصيب ذراعي. نظرت إلى حسن لأخبره أنني أصبت. في تلك اللحظة، صرخ عليّ حسن ليخبرني أنه أصيب برصاصة في عينه ورأيت الدماء تغطي رأسه. أمسكت بيده وطلبت من الآخرين مساعدتي في حمله بعيدا. طوال الطريق إلى المستشفى لم أهتم بإصابتي وأملت أن يكون على ما يرام. لكنه لم يكن كذلك. فقد توفي لاحقا”.
أكد مصدر طبي أن البشير أصيب برصاصة في رأسه وتوفي في المستشفى.
قال شاهدان على مقتل الحاج إن عناصر الاحتياطي المركزي أطلقوا النار عليهم من البنادق خلف متراسهم، على بعد 300 متر من مستشفى الجودة. قالوا إنهم رأوا أيضا شرطة مكافحة الشغب تطلق الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية.
رأى متظاهر عمره 26 عاما عنصرا من قوات الاحتياطي المركزي يصوب بندقيته على المتظاهرين من وراء ساتر. اقترب آخر، مشيرا إلى بعض المتظاهرين في المقدمة، وكأنه يعطيه تعليمات لتصويب البندقية. قال المتظاهر: “بعد ثوانٍ قليلة، أطلق [عنصر الاحتياطي المركزي] النار، وسقط أحد المتظاهرين على الأرض. فيما بعد اكتشفتُ أنه كان الحاج مالك. كان قميصه مغطى بالدماء. أصيب برصاصة بينما كان وراء متراس من الورق المقوى”.
وذكر تقرير طبي أن الحاج أصيب بعيار ناري في الصدر.
حللت هيومن رايتس ووتش مقطع فيديو لهذا الحدث نُشر على فيسبوك. على تقاطع يبعد 1.5 كيلومتر جنوب محطة الحافلات وبالقرب من مستشفى الجودة، تجثم ثلاث مجموعات من المتظاهرين خلف ألواح من الورق المقوّى بينما يلقي آخرون الحجارة والمقذوفات على الشرطة والمركبة المدرعة. يسقط متظاهر خلف متراس من الورق المقوى على الأرض ومجموعة من المتظاهرين يتجمعون حوله ويقتادونه بعيدا عن الشرطة.
قبل دقائق من ذلك، يمكن رؤية أحد عناصر الاحتياطي المركزي يرتدي الزي الكاكي وهو يصوب بندقية كلاشينكوف قابلة للطي على المتظاهرين.
خضع الشرطة للقيادة المباشرة للمدير العام للشرطة، الذي يتبع لوزير الداخلية. يتبع الجيش، بما في ذلك القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، لـ”مجلس السيادة”، الذي يمارس الرئاسة الجماعية.
عقب أحداث 17 يناير/كانون الثاني، دعا حوالي 150 مدعيا، وقاضيا، ومستشارا قانونيا من وزارة العدل إلى إجراء تحقيقات حقيقية ذات مصداقية وبإشراف النيابة على مراكز الاحتجاز والتعامل مع الحشود.
قال مدع عام في الخرطوم لـ هيومن رايتس ووتش في 22 يناير/كانون الثاني إن مشاركة قوات متعددة، بما فيها وحدات عسكرية، يعقّد جهود النيابة لتحديد تسلسل قيادي واضح وضمان محاسبة جميع القوات المسؤولة عن الانتهاكات.
قال عثمان: “رد الجيش مرارا وتكرارا على المعارضة المدنية الشعبية بالقتل غير القانوني والاعتقال التعسفي والانتهاكات الأخرى، ومع ذلك يواصل الشعب السوداني الضغط من أجل التغيير. على المجتمع الدولي ألا يكتفي بمراقبة المحتجين عن بعد، بل أن يستجيب بقوة لدعواتهم إلى تعزيز العدالة في السودان”.