لونا ميريكيجي، هي ناشطة مدافعة عن حقوق الإنسان في جنوب السودان حائزة على جوائز، وناشطة في مجال الحقوق المدنية، ومدافعة عن السلام، وهي أيضا الأمينة العامة لبرنامج المشاركة الديمقراطية والرصد والمراقبة في جنوب السودان. حصلت على الجائزة الألمانية الفرنسية المرموقة لحقوق الإنسان للنهوض بحقوق المستضعفين في عام 2020.
راديو تمازج أجرت الحوار التالي معها
س: في بداية ما هي تقييمك لتنفيذ اتفاقية السلام المنشطة؟
ج. في تقديري لم تبذل جهودا كبيرة في إطار تنفيذ الاتفاقية حتى الآن، ونحن جميعا نعلم أنه تبقت أشهر قليلة لنهاية الفترة الانتقالية وانتهاء أجل الاتفاقية. الأمر الذي يجعل الكثير من الأسئلة مطروحة بشأن مصير القضايا العالقة في الاتفاقية التي لم تنفذ بنودها حتى الآن، ومصير شرعية الحكومة الحالية التي ستنتهي مع انتهاء الفترة الانتقالية. لقد اعتبرت الفترة الانتقالية الكثير من المماطلة في تنفيذ أهم بنود الاتفاقية بسبب انعدام الإرادة السياسية بين الأطراف الموقعة على الاتفاقية، الأمر الذي أدى إلى تأخير تخريج القوات الموحدة من مراكز التدريب حتى الآن، وعدم إعادة تشكيل مفوضية الانتخابات وتعثر إجراءات وضع الدستور الدائم؛ فالأعذار التي ظلت تتحجج بها الأطراف بشأن عدم التنفيذ كلها غير منطقية. عدم توفر الإرادة السياسية ظلت هي المشكلة منذ بداية الاتفاقية، ونحن قد وصلنا إلى النهاية وما زالت الكثير من القضايا عالقة.
س: وما هو تأثير تأخر تنفيذ الاتفاقية على شعب جنوب السودان؟
ج. بالطبع هذا التأخير في تنفيذ الاتفاقية يؤثر بصورة مباشرة على شعب جنوب السودان، لأنه عندما تم التوقيع على الاتفاقية في العام 2018م، علق عليه الشعب الكثير من الآمال في أن تضع نهاية للعنف في البلاد، وبالفعل قد صمت صوت الرصاص نوعا ما، ولكن أجزاء كثيرة من أنحاء البلاد ظلت تعاني من العنف. فضلا أن هذه الاتفاقية تعتبر من أفضل الاتفاقيات التي مرت على البلاد، فإذا تم تنفيذها بالنص سيتحول البلاد إلى الأفضل، فقد لخصت الاتفاقية كل مشاكل البلاد وركزت على كل الجوانب حتى كيفية تنظيم واستغلال الموارد، والإصلاح الاقتصادي. فالشعب يأمل في هذه الاتفاقية للخروج من المعاناة.
س: على عاتق من مسؤولية غياب الإرادة السياسية الذي أثر على تنفيذ الاتفاقية؟
ج. كل الأطراف الموقعة على الاتفاقية تتقاسم المسؤولية، ومن غير المنصف تحميل المسؤولية لطرف واحد.
س: مع اقتراب نهاية الفترة الانتقالية، ما هو موقفكم كالمجتمع المدني، هل أنتم مع التمديد أم إجراء الانتخابات؟
ج. موضوع الانتخابات مرتبط بالظروف الموضوعية لإجرائها، لتكون انتخابات حرة ونزيهة في أجواء ديمقراطية، ولكن في أرض الواقع هناك العديد من الشروط غير المتوفرة لإجراء الانتخابات أهمها عدم إعادة تشكيل مفوضية الانتخابات بجانب عدم جاهزية قانون الانتخابات نفسه، فضلا عن الانفلاتات الأمنية في مناطق عدة في وسط وغرب الاستوائية (أنزارا)، وفي نمولي في شرق الاستوائية، والنزاعات في واراب وعدة مناطق في بحر الغزال. ويبقى السؤال مطروحا حول كيفية إجراء الانتخابات في ظل هذه الظروف. وأيضا يظل السؤال عن المخرج، إذن إذا استبعدنا إجراء الانتخابات. وهذا هو الأمر الذي يتطلب منا في المجتمع المدني وكل القوى السياسية وبقية الأطراف ومكونات جنوب السودان أن نتوحد ونجتمع للتفاكر حول كيفية الخروج بالبلاد إلى المرحلة المقبلة.
س: الحكومة تتحدث عن جاهزيتها للانتخابات، أين موقفكم في حال إصرار الحكومة على إجراء الانتخابات؟
ج. نحن مع وضع الأمور في نصابها الصحيح قبل الذهاب لإجراء الانتخابات، ونتفق بأن البلاد بحاجة إلى إجراء الانتخابات ولكن العديد من الاشتراطات يجب أن تجرى قبل ذلك، فبمجرد الإعلان عن الجاهزية شفاهة لا يكفي.
س: هل تقصد أن الانتخابات لا يمكن قيامها في الظروف الحالي؟
ج. نعم لا يمكن أن تجري الانتخابات في هذه الفترة وهذه الظروف، يجب تنفيذ العديد من البنود، وحتى القانون الذي ينظم الانتخابات يجب أن يجاز فضلا عن توفير الدعم المادي.
س: بمعنى أنتم مع تمديد الفترة الانتقالية؟
ج. حتى أكون صريحة؛ نحن فعلا بحاجة للانتخابات، لكن هذا الوقت المتبقي غير كاف والظروف غير مواتية ولا سيما أن العملية الانتخابية مربوطة بصياغة الدستور الدائم. المطلوب هو إعادة رسم خارطة الطريق لمستقبل البلاد، الأطراف السياسية المكونة للحكومة الانتقالية لن تأخذ البلاد إلى بر الأمان دون مشاركة التكنوقراطيين والمستقلين في هذه المرحلة.
س: كيف تنظرين إلى تمثيل المرأة في تنفيذ الاتفاقية؟
ج. أشعر بخيبة أمل من ضعف إشراك المرأة في تنفيذ الاتفاقية، وهذا يدعونا إلى ضرورة التوحد كنساء لمواجهة هذا التهميش، وأناشد النساء المنضوين تحت الأحزاب والمجموعات السياسية بضرورة الضغط على القيادات لضمان أن يكون تمثيل المرأة كاملًا، لا ينبغي عليهن الوقوف مكتوفات الأيدي أمام هيمنة الرجال، ليتم استخدامهن كمطيعة لأغراض الرجال السياسية، أما أن يتم تمثيل المرأة في المناصب كاملا بنسبة 35 %، أو عليهن ترك هذه التنظيمات للرجال وحدهم، لتنخرطن في أنشطة أخرى، هناك الكثير من المجالات التي يمكن أن تبدع فيها المرأة بدلا من تهميشها واستخدامها في التنظيمات السياسية.
س: أين دور المرأة في منظمات المجتمع المدني، تجاه الضغط لضمان تمثيل المرأة في مؤسسات الحكم والسياسة؟
ج. النساء في منظمات المجتمع المدني يعملن جاهدات من أجل إيصال صوت المرأة بسبل شتى، وتبلين بلاء حسنا في هذا المضمار.
س: يرى المراقبون أن هناك العديد من النساء القياديات المقتدرات، ولكنهن لا تنخرطن في العمل السياسي من أجل قيادة البلاد، كيف تعلقين؟
ج. نعم هذا الحديث صحيح، ويمكن أن أخذ نفسي كمثال؛ كان يمكن أن أساهم بشكل أفضل في خدمة البلاد عبر الانخراط في العمل السياسي، ولكن بالنظر إلى الصراع الدائر في البلاد، تجد أن كل الأحزاب والحركات السياسية تفتقد لرؤية وأيدلوجية مقنعة لقيادة البلاد ولإقناع الناس واستقطابهم بالانضمام إليها، حتى الحركة الشعبية ليست لها رؤية واضحة ومقنعة، كما يمكنك أن ترى عدم وجود حريات سياسية وحراك حقيقي لتسجيل أحزاب جديدة في الساحة، كل الأحزاب الموجودة هي نفسها تلك التي خرجت وانشق عن بعضها، وأخرى ظهرت نتيجة للتمرد ورفع السلاح. ففي واقع كهذا لا يوجد محفز للانخراط في السياسة، وربما لهذا السبب ذاته يعزف الكثير من النساء دخول السياسة ويفضلن البقاء بعيدا.
س: هل يمكن تحقيق سلام وتحول ديمقراطي دون مشاركة المرأة؟
ج. لا يمكن ذلك لأن المرأة تمثل النسبة الأعلى من التعداد السكاني في البلاد ولا يمكن الاستغناء عنها، وأن تعمدت أطراف اتفاقية السلام الانتقاص من دورها، لذلك كما سبق أن ذكرت، أن الأطراف الحالية المكونة للحكومة الانتقالية لا يمكنها أن تقود البلاد إلى بر الأمان، نحن نحتاج التكنوقراطيين والمستقلين ليكونوا جزءا من اتخاذ القرار في هذه البلاد. وقد سبق أن قدمنا مقترح التكنوقراط هذا للجنة العليا لتنفيذ الاتفاقية. ونحن لا نعني أن تكون الحكومة كلها من التكنوقراط، إنما يكونون جزءا منها لأهميتها في رسم الخطط واتخاذ القرارات.
س: الولايات المتحدة علقت دعمها المالي لآليات السلام، هل لهذا أثر في تنفيذ السلام؟
ج. بالطبع الولايات المتحدة لها الحق في أموالها، وهي كانت تدعم آليات تنفيذ الاتفاقية، فإذا رأت أن أموالها تذهب دون وجهة أو أثر في تنفيذ الاتفاقية على أرض الواقع؛ فلها الحق في إيقافها، حتى أنا كمواطن اسأل أين تذهب هذه الأموال، قياسا بالتعثر في تنفيذ الاتفاقية.
س: لكن ما هو تأثيره على مصير تنفيذ الاتفاقية؟
ج. نعم تعليق واشنطن لدعمها يمكن أن يؤثر على الأوضاع عامة، ولكن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة الانتقالية للبحث عن البدائل الممكنة في هذا التوقيت الحرج.
س: رسالة أخيرة
ج. رسالتي إلى كل مواطنو جنوب السودان، هو أن صلاحية اتفاقية تسوية النزاع المنشطة، قد شارفت على النهاية، فعلينا جميعا كمواطنين أن نبدأ في التفكير حول المرحلة المقبلة والطريق إلى بر الأمان، مع نهاية الاتفاقية تنتهي أيضا شرعية الحكومة، وبالتالي نحن مطالبون بتدارك الأمر للخروج بالبلاد إلى بر الأمان.