يصادف اليوم 9 يوليو، العام الحادي عشر لإستقلال جنوب السودان، ومع ذلك ، البلاد في حالة اضطرابات أمنية بسبب الحرب الأهلية.
ومع مرور العام الحادي عشر على الإستقلال، أجري راديو تمازج إستطلاعاً مع مواطني جنوب السودان عن الوضع الحالي ومعرفة توقعاتهم. حيث أعربوا عن وجهات نظرهم بعد كل هذه المآلات ، هنالك يائسون والبعض الأخر نادمون على الانفصال بينما آخرون يأملون في أن تتحسن الأوضاع في المستقبل.
بعد عامين من الاستقلال انزلقت البلاد في أتون حرب أهلية في ديسمبر 2013م ، مما أفقدها ها فرص لإرساء أسس بناء الدولة.
وفي عام 2015م تم التوصل إلى اتفاق سلام، وهو العام الذي كان من المقرر أن تجري فيه البلاد أول انتخابات منذ استقلالها من السودان، لكن إنهار الاتفاق وانزلقت البلاد في مزيد من الصراع الأهلية مرة أخري في عام 2016م.
وفي عام 2018م تم توقيع على اتفاقية سلام المنشطة بين الأطراف المتحاربة في البلاد مما عزز آمال شعب جنوب السودان من جديد في الاستقرار والسلام المستدام.
ومع ذلك فقد واجهت تنفيذ هذه الاتفاقية صعوبات كبيرة ، وحتى الآن لم يتم تنفيذ معظم البنود الأساسية.
وبحسب الأمم المتحدة ، فقد ما يقرب من 400 ألف شخص حياتهم في الحروب الأهلية في البلاد وتشرد الملايين داخلياً والبلدان المجاورة ، ولا يزال المئات يموتون بسبب الصراعات العشائرية والجوع والمرض والفيضانات.
وعلى سبيل المثال ، قُتل حوالي 440 شخصاً في أعمال عنف بين الأطراف المتحاربة في مقاطعة طمبرا في غرب الإستوائية بين يونيو وسبتمبر 2021م .
وقالت الأمم المتحدة كذلك إنه في هذا العام هناك حوالي 6.8 مليون بحاجة إلى المساعدة والحماية العاجلة المنقذة للحياة.
ويعتبر عملية صياغة دستور دائم ، وقانون تسجيل الأحزاب السياسية ، وإصلاح المؤسسات الأمنية والقانونية، وإنشاء آليات العدالة وتخريج القوات الموحدة ، من البنود الرئيسية للاتفاق لتمهيد البلاد للانتخابات ولكن حتى الآن لا تزال تلك المهام المعلقة.
و تعهد رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت يوم الخميس بتنفيذ اتفاق السلام وعدم إعادة البلاد إلى الحرب.
بعد 11 عاما، ما هو رأي شعب جنوب السودان، هل يستطيع القادة الوفاء بوعودهم ، هل هناك أمل في سلام دائم؟ لنتابع ماذا يقول أصحاب المصلحة .
المجتمع المدني
تقول قالت المديرة التنفيذية لمنظمة العمل النسائي من أجل المجتمع ، بيتي ساندي، وهي أحد المساهمين الرئيسيين من المجتمع المدني في إتفاقية السلام، لراديو تمازج ، أن توقعات المواطنين لم تتحقق خلال 11 عامًا من الحكم الذاتي ، ولا تزال البلاد تواجه الصراعات الطائفية وانعدام الأمن والتحديات في تنفيذ اتفاقية السلام.
وتضيف ساندي إن الحل الوحيد هو أن يجري القادة حوارا لرسم خارطة طريق واضحة لتنفيذ المهام المتبقية في إطار اتفاق السلام الذي أعيد تنشيطه.
وقالت “الشيء الوحيد الذي نحتاجه هو خارطة طريق بشأن موعد إجراء التعداد السكاني الذي يحدد الدوائر الانتخابية ، ومن هم المراقبون ، وأن نفعل كل شيء بطريقة منظمة حتى ننهي معاناة أهلنا “.
ودعت ساندي قيادة البلاد إلى الاعتذار لشعب جنوب السودان عن المعاناة التي لحقت بهم ومن ثم الاتحاد والعمل معا من أجل بلد أفضل.
وتابعت”أود أن أخبر قادتنا الذين يعملون تحت مظلة اتفاقية السلام أن وحدتهم مهمة للغاية. إنهم مدينون لشعب جنوب السودان باعتذار صادق. عليهم أن يعتذروا للشعب عن أخطائهم. احتفالا بالاستقلال الحادي عشر ، وعليهم أن يعدونا بأنهم يعملون معا “.
وقالت الناشطة إن العديد من سكان جنوب السودان يخشون الانتخابات المتوقعة لأنهم يتخوفون من اندلاع حرب أهلية مرة أخرى ، وترى إن دور القيادة هو طمأنة المواطنين بأن الانتخابات ستكون سلمية.
واضافت “في يوم الاحتفال بالاستقلال على القادة وشعب جنوب السودان إلى الاعتراف بخطايانا حتى يعمل الله فينا وفي قلوبنا من أجل وحدة جنوب السودان. لقد سئمنا الحرب ونحتاج إلى العيش في سلام. هذا ليس عدلاً نحن الأمهات ولدنا في الحرب وتزوجنا في الحرب وولدنا في الحرب والآن أطفالنا يكبرون في الحرب ايضاً”.
السلام من منظور ديني
وأعرب الأسقف الفخري لأبرشية توريت الكاثوليكية ، المطران باريدي تعبان البالغ من العمر 80 عامًا ، في حوار لراديو تمازج عن سعادته على الرغم من حوادث انعدام الأمن ، وقال انه يمكن للقادة الجلوس على طاولة وإجراء حوار.
وقال: “على الأقل لا توجد حرب وهناك شيء واحد عندما لا تكون هناك حرب يمكنك التحدث ، ويمكن للناس الوصول إلى أولئك الذين يقاتلون لأن الحرب تجعل من الصعب دائما الجلوس للتصالح والحوار”.
وبالنسبة للعنف العشائري المتكرر وانعدام الأمن ، قال الأسقف باريد ، الأسقف الحائز على جائزة نوبل للسلام ، إنه يجب على شعب جنوب السودان التحلى بالصبر.
وأضاف ” أنتظرت استقلال جنوب السودان لمدة 40 عاما وقد تحقق ، لذلك نحن نعلم أنه لا يزال بإمكان الناس الجلوس معا والتحدث ، وهناك أمل في طريق الوحل”.
وأشار الاسقف إلى أن الكنيسة كانت في طليعة المصالحة بين قادة البلاد ، لكن لا يمكنهم إلا أن ينصحوا ويصلوا من أجل الاستجابة لنصيحتهم، وأن الكنيسة لن تتعب ، وستظل الكنيسة متاحة على الدوام.
ويعتقد الأسقف المتقاعد أن جنوب السودان لديه إمكانات كبيرة ومواطنون وطنيون مستعدون للعودة وتطوير الأمة بمجرد أن يعم السلام. وقال إنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به قبل الانتخابات بما في ذلك عودة اللاجئين للمشاركة في الانتخابات كما هو مطلوب بموجب اتفاقية السلام.
عن الاستقلال قال: الأسقف باريدي أن “العلم موجود ، ولكن لا يمكننا أن ننظر إليه .يجب أن ينظر الناس إلى أنفسهم ، يجب أن ننظر إلى أنفسنا ، وهذه هي الطريقة التي نبني بها المصالحة”.
السلام من منظور سياسي
وقال البروفيسور باتريك لوش أوتينو لومومبا ، المشهور باسم بولو لومومبا ، وهو محام كيني ومدافع عن المحاكم العليا في كينيا وتنزانيا ، إن قادة جنوب السودان يجب أن ينفذوا اتفاق السلام بالكامل ، لإعطاء الأمل في سلام دائم للبلاد.
فيما يتعلق بالانتخابات ، يقول المحامي الإقليمي ، كجيران جنوب السودان لا يمكنهم إلا أن يأملوا في استكمال العمليات الانتخابية وأن يُمنح جنوب السودان فرصة لتجربة عملية سلمية وشفافة.
وإدراكا منه لوجود مخاوف من عودة الحرب حث لومبومبا القادة السياسيين على إعادة الالتزام بالحل السلمي للخلافات السياسية .
وأضاف “في بيئة مثل هذه فإن الأنانية هي جوهر اللعبة. لكن إذا تمكن القادة من ضمان السلام بدلا من المصلحة السياسية ، فيمكن تحقيق السلام المستدام”.
ويضيف لومومبا إن مكاسب الاستقلال لم تتحقق بعد ، لكن البلاد غنية ولديها إمكانات كبيرة للتطور السريع.
وهو يعترف بأن هذا جعل العديد من الدول مترددة في مساعدة جنوب السودان وهو يغرق في نزاعاته.
وقال “في المنطقة ، هناك شعور بعدم وجود التزام. كل دولة مهتمة بمصالحها الداخلية لكن على الرغم من كل شيء ، فإنا متفائل بأن جنوب السودان سيتغلب على تحدياته ويتمتع المواطنون بالاستقرار والسلام الدائم”.
واضاف “أريد أن أخبر شعب جنوب السودان أنه مهما كان الظلام يبدو أنه سيكون هناك ضوء في نهاية النفق. أعتقد أن العديد من الأخطاء قد ارتكبت ولكن لا ينبغي أن تثقل تلك الأخطاء كاهلنا”.
السلام من منظور المواطنين
وأعرب عدد من المواطنين لراديو تمازج عن خيبة أملهم في قادة جنوب السودان.
وقال جال شاني الذي يعيش في موقع حماية للمدنيين في بانتيو بعد أن نزح من منزله بسبب النزاع، “ليس لدي الكثير لأقوله عن الاستقلال لأنه من الجيد أن تكون أمة حرة ومستقلة. لكن جنوب السودان الآن بحاجة إلى السلام ونحث الحكومة على تنفيذ اتفاق السلام”.
ويضيف: “هذه ليست الدولة التي حلمنا بها نحن المواطنون. لقد حلمنا بسلام ولا حرب، نريد دولة وهذا هو البلد الذي نحلم به”.
أما إيبورو أليس ،من مقاطعة توريت ولكنها تعيش في المخيم في دولة كينيا ، أعربت عن خيبة أملها، وإنها لم تشعر بالسلام منذ الاستقلال.
وقالت “هذه ليست الدولة التي حلمت بها. اعتقدت أنه سيكون هناك سلام وكل شيء سيكون جيد منذ أن حصلنا على الاستقلال ، لكننا نزحنا إلى مخيمات في كينيا وأوغندا بسبب الحرب. لقد سئمنا لأن العيش في المخيمات يمثل تحديا كبيرا في ظل انعدام الطعام والماء والحطب”.
كما قالت المواطنة روز امارينق لاكولا إنها تشعر بالإحباط بعد الاستقلال ،لكنها أعربت عن أملها في أن يتحد شعب جنوب السودان ويتطور .
واضافت “بعد عام 2011 ، لم نحقق شيئًا. فقد اندلع الحرب في عام 2013 ويعيش الكثير من الناس الآن كلاجئين”.
وتقول إن الكثير من المواطنين نادمون للتصويت من أجل الاستقلال ، لأن القادة لم يكونوا قدر المسؤولية و الناس يقتلون بعضهم البعض. ومضت قائلة “لن أرى أي فائدة من هذا الاستقلال لأننا نقاتل فيما بيننا “.