قالت هيومن رايتس ووتش “الأربعاء”، بأن استخدام جنوب السودان للأسلحة الحارقة البدائية في قصف جوي، أدى إلى مقتل وإصابة العشرات بحروق مروعة، بينهم أطفال، وتدمير البنية التحتية المدنية في ولاية أعالي النيل.
ووفقا للمنظمة الحقوقية، فإن استخدام الحكومة لهذه الأسلحة في المناطق المأهولة بالسكان قد يرقى إلى جرائم حرب.
ووصف من أجريت معهم المقابلات استخدام أسلحة حارقة بدائية في أربع هجمات على الأقل في مقاطعات الناصر، ولونقشوك، وأولانق، بولاية أعالي النيل، مما أسفر عن مقتل 58 شخصا على الأقل وإصابة آخرين بحروق بالغة. وأن ينبغي على بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، المُكلفة بحماية المدنيين، إنشاء قواعد عمليات مؤقتة في المناطق عالية الخطورة، والاستجابة الاستباقية للوضع المتدهور.
وقال المنظمة في التقرير أنه ينبغي على أعضاء مجلس الأمن الدولي، حث جنوب السودان على وقف هجماته غير القانونية، والدعوة إلى نشر قوات حفظ سلام عاجلة في المناطق المتضررة.
وقالت نياقوا توت بور، الباحثة في شؤون جنوب السودان في هيومن رايتس ووتش: “لقد أودت هذه الأسلحة بحياة العشرات، بمن فيهم أطفال، وخلفت ناجين مصابين بحروق بالغة، مما تسبب في أضرار طويلة الأمد”.
وأضافت “ينبغي على الحكومة التوقف فورا عن استخدام الأسلحة الحارقة العشوائية ضد المجتمعات المحلية، وتسهيل وصول المساعدات على نحو آمن، وعلى الأمم المتحدة نشر قوات حفظ سلام عاجلة في المناطق المتضررة”.
بحسب التقرير تكثفت عمليات القصف الجوي الحكومية منذ 16 مارس 2025، بعد هجوم شنّه شباب مسلحون من قبيلة النوير “الجيش الأبيض”، في 4 مارس على قاعدة عسكرية حكومية في الناصر، وهجوم شنّه مسلحون في 7 مارس على مروحية تابعة للأمم المتحدة، أسفر عن مقتل أحد أفراد طاقمها وأكثر من عشرين جنديا من جنوب السودان.
في 17 مارس، صرّح وزير الإعلام في جنوب السودان بأن قواته الجوية قصفت “مناطق الجيش الأبيض”، وألمح زورا إلى إمكانية استهداف المدنيين الذين لم يغادروا تلك المناطق بشكل قانوني. وكشف أن أوغندا تُقدّم دعما فنيا لقوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان، وهو ما أقرّت به أوغندا.
وقال متحدث باسم القوات الأوغندية لـهيومن رايتس ووتش إن دعمهم لم يشمل الهجمات الجوية أو البرية، ولكنه ممكن إذا طُلب منهم ذلك، ورأوا ذلك ضروريا. وكانت القوات الأوغندية قد دحضت سابقا مزاعم استهدافها للمدنيين والأهداف المدنية، أو استخدامها “أسلحة كيميائية وبراميل متفجرة”.
وتُسبب الأسلحة الحارقة حروقا مبرحةً وإصابات جسدية أخرى، مما قد يؤدي إلى ضرر نفسي وندوب وإعاقة مدى الحياة، مما قد يؤدي إلى إقصاء اجتماعي واقتصادي. كما أنها تُسبب حرائق تُدمّر الأعيان المدنية عشوائياً. ويُعدّ استخدام هذه الأسلحة في المناطق المأهولة بالسكان انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي، وإذا ما ارتُكب بقصد إجرامي، يُشكّل جريمة حرب.
ويحظر البروتوكول الثالث لاتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة صراحةً استخدام الأسلحة المُلقاة جواً والمُصممة لإشعال الحرائق وحرق الناس في “تجمعات المدنيين”. وبينما لم ينضم جنوب السودان إلى هذا البروتوكول، فإن استخدامه لهذه الأسلحة يُبرز ضرورة تعزيز القانون الدولي الذي يُنظمها.
ووصف ثمانية أشخاص، ممن أُجريت معهم مقابلات، بمن فيهم شهود عيان ومسعفون محليون ومسؤولان حكوميان، هجوم 16 مارس على منطقة مثيانق، في مقاطعة لونقشوك. وصف شهود عيان “براميل” – أسلحة حارقة بدائية الصنع- أُلقيت مما بدا أنه طائرة متعددة المحركات.
وقالت امرأة تبلغ من العمر 39 عاما “ظهرت الطائرة فجأة، ظننت أنها ستسقط على منازلنا، ثم رأيناها تُسقط براميل. وبينما كانت تسقط، اشتعلت فيها النيران”.
استيقظت امرأة أخرى، تبلغ من العمر 40 عاماً، وهي تشعر “بالأرض تهتز”، فركضت إلى الخارج، “لترى القرية تحترق”. رأت لاحقا جثث جيرانها المتفحمة، كور رواج كيرجوك وزوجته وطفليهما دون سن العاشرة.
وقال أحد السكان إنه عُثر في منزلهما على جثتين محترقتين لامرأتين كبيرتين في السن، تبلغان من العمر 60 عاما فأكثر، هما نيادير كوج ونياقيت كير.
وقال مسؤول صحي كبير إن 21 شخصا على الأقل قُتلوا، 3 منهم لقوا حتفهم في أثناء نقلهم إلى إثيوبيا لتلقي العلاج. وقال العاملون الصحيون الذين استجابوا للحادث بموارد محدودة للغاية إن الضحايا أصيبوا بحروق بالغة. وقال أحدهم إن الحروق استمرت في الانتشار على أجساد المرضى، مما يشير إلى استخدام مادة تسبب الحروق في الهجوم.
وتشير روايات الشهود الذين وصفوا ما رأوه وما استطاعوا شم رائحته عند إلقاء الأسلحة الحارقة المرتجلة، إلى استخدام عدة أنواع من المواد القابلة للاشتعال كعوامل حارقة.
وشرح أحد المستجيبين كيف أن “المنطقة التي سقطت فيها- المادة القابلة للاشتعال- ظلت مشتعلة لعدة أيام، وأصدرت أصوات طقطقة”. في نهاية المطاف أطفأت الأمطار الحرائق،” لكنها لا تزال تفوح منها رائحة، لا تشبه رائحة البنزين أو الكيماويات.
احترقت عدة مجمعات سكنية، بالإضافة إلى جزء من السوق ومضختي مياه، حسبما أفاد أحد المسعفين.
ويُظهر مقطع فيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي في 17 مارس، شقا في الأرض مع نيران نشطة مرئية في الداخل، ويكشف الفيديو عن منطقة محترقة واسعة، تضم عدة منازل “قطاطي”، وتُظهر صور الأقمار الصناعية ندبة حرق ظهرت بين 16 و17 مارس، إلى جانب قطاطي محترقة على بُعد 100 متر شمال شرق السوق.
وقال شاهدان إن ثلاث نساء على الأقل تعرضن للإجهاض أو ولادة جنين ميت عقب القصف.
كما استُخدمت أسلحة حارقة بدائية الصنع أُلقيت من الجو في بلدة ناصر يومي 16 و19 مارس. وصرح مسؤولان بمقتل 22 شخصا على الأقل وحرق عشرات المنازل. راجعت هيومن رايتس ووتش أيضا صورا ملتقطة عبر الأقمار الصناعية تُظهر آثار حروق ومباني محترقة، بما في ذلك موقع سابق لبعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان وعشرات المباني على طول الطريق الرئيسي بين 16 و20 مارس.
ويشير الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات والصور إلى أن سلاحا حارقا أُلقي أيضا في كويج بمقاطعة أولانق في 21 مارس. ووصف ثلاثة شهود رؤية ما بدا أنه طائرة مروحية تُلقي مواد حارقة في براميل.
وقال أحد الأشخاص “أسقطت الطائرة شيئا مشتعلا، وحدث انفجار مدوٍّ- عندما ارتطمت بالأرض، وعلى الفور اشتعلت النيران في المنطقة المحيطة”. “بدأ الجميع بالركض في اتجاهات مختلفة”. وعندما عاد إلى الموقع، علم أن “أشخاصا لقوا حتفهم في الحال، وأن العديد من الأشخاص أصيبوا بجروح خطيرة”.
وقال أربعة شهود إن الهجوم أسفر عن مقتل 15 شخصا، بينهم 3 أطفال، وإصابة 17 آخرين بحروق بالغة. ووصف أحد المسعفين في بلدة أولانق الضحايا، ومعظمهم مصابون بحروق، قائلاً “بشرتهم سوداء، وتوفي رجل في المستشفى، وقد احترقت أسنانه، ورأيت أيضا امرأة أكبر سنا في السبعينيات من عمرها، وكانت تعاني بثور كبيرة، حتى 30 مارس، كان سبعة أشخاص لا يزالون في حالة حرجة”.
ومن بين المباني المدنية التي احترقت مركز تغذية وعيادة رعاية صحية، وتوفي حارس هناك، دوب بيشوك ديو، في الخمسينيات من عمره، متأثرا بحروق أصيب بها. كما دُمرت منازل وسوق.
تُظهر الصور المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي في 24 مارس، عدة مبانٍ وقد تحولت إلى رماد بالقرب من نهر السوباط في كويج. وبجوار مركز التغذية، كانت مواقع الارتطام المرئية لا تزال تحترق. وأكدت صور الأقمار الصناعية احتراق ما لا يقل عن اثني عشر مبنى بين 21 و22 مارس.
وتستمر هجمات الحكومة على المناطق المأهولة بالسكان في المقاطعات الثلاث، لا سيما باستخدام نيران المروحيات والذخائر، مما يعرض المدنيين لمزيد من المخاطر، ويفاقم الوضع الإنساني، الذي يشمل بالفعل تفشي وباء الكوليرا.
وقد فرّ عشرات الآلاف من الأشخاص، بما في ذلك إلى إثيوبيا، ولا يزال وصول المساعدات الإنسانية مقيدا بشدة، حيث تواجه منظمات الإغاثة العنف بالإضافة إلى القيود البيروقراطية.
ولا يزال جنوب السودان خاضعا لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، والذي يحظر تقديم الدعم العسكري الخارجي للأطراف المتحاربة في البلاد، تُعدّ مشاركة القوات الأوغندية في العمليات انتهاكا للحظر. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي على مجلس الأمن فضح انتهاكات أوغندا وضمان تجديد الحظر لحماية المدنيين من العنف غير القانوني. وينبغي للمجلس الضغط على جنوب السودان لضمان عمل بعثة الأمم المتحدة بأمان والموافقة على أي طلبات لإرسال قوات إضافية.
وقالت المنظمة “مع استمرار حكومة جنوب السودان في إظهار استخفافها التام بالمدنيين، فإنها تُلقي الآن براميل مشتعلة من الجو”. وأضافت “على المجتمع الدولي الضغط على الحكومة لإنهاء هذه الهجمات غير القانونية وضمان اتخاذ خطوات ملموسة لحماية أرواح المدنيين”.