عندما يتعايش أحدهم مع الحرب طول فترة حياته ، حتى تنقلب القاعدة أن تصبح الحرب عادة والسلام مجرد حدث صغير حينها يصبح مجرد اسكات صوت البنادق حلم يتمنى تحقيقه باي ثمن ، وعندما تصبح الاتفاقيات الغير مضمونة مجرد هدنة صغيرة يستطيع يغفو خلالها ملئ جفونه ، يمر به اطمئنان كاذب ومفرح وحلو بانه يعيش في سلام ، ثم عندما يٌسأل عن معنى السلام في هذه الاجواء الملتبسة ، اقرب اجابة تأتي الى ذهنه وقلبه ولسانه هي الامنيات القريبة الضرورية ، وهي جزء من دعواته وابتهالاته اليومية : ان تتوقف الحرب ، ان تصمت اصوات البنادق ، ان يتوقف نزيف الدم .
ولكن هل هذا هو السلام الحقيقي !!؟
اسطتيع ان اقول ان هذا جزء يسير جدا من معاني السلام الحقيقية ، معاني السلام المضمونة العواقب التي تؤمن الحاضر وتجعل المستقبل براقاً ومزدهرا وممكناً ، مبعد عنه شبح الحرب والنزاعات المسلحة العنيفة الغير مبررة !.
للحرب اسباب جذرية وسطحية واغلب الناس ينخدعون بالاسباب السطحية ويحاولون حلها بسرعة لتعود الامور بسرعة الى وضعها الطبيعي ثم يأتي ذاك الشعور المؤقت براحة الضمير والشعور بالارتياح ، ولكن هل سألنا انفسنا عن اسباب الحرب الحقيقية ؟ نعم ان الحروب تنفجر فجاءة وقد يتطلب الامر اخمادها بسرعة متناسين تلك الاسباب الجذرية التي تغلي في الداخل ، متناسين الوقت الطويل الذي مضى وتم فيه تعبئة ذاك البارود الذي انفجر فجاءة !! . ما اريد قوله هنا هو ان الحرب لم تندلع فجاءة حتى نتفهم ان السلام يجب ان لا يأتي بتلك السرعة الخادعة ، انها عملية طويلة الاجل يجب ان يتشارك الجميع في بناءها دون بتر لاي نوع من الاختلافات ، بل يجب توظيف هذه الاختلافات بكل الطرائق ومحالة تمثيلها ايجابياً لخدمة التعايش السلمي وممارسة اللاعنف في حل الاشكالات التي تظهر من حين وتصب في خانة الطبيعي .
السلام الذي احلم به ليحل في جنوب السودان المجروح بايدي ابنائه ، هو الا يتم استغلال القبيلة لصالح السياسة ، لان لكل واحدة خصوصيتها واهميتها ، ذاك الخلط الغير حكيم هو الذي ادى الى هذه التشوهات والخيبات التي سببت لنا الكثير من اللالم .
السلام الذي احلم به هو ان يتم توظيف كل الكوادر المؤهلة لخدمة الوطن وليس بالولاء السياسي والانتماء القبلي .
السلام الذي احلم به هو ان تُفعل المحاسبية والشفافية في كل مراحل ومؤسسات الدولة .
السلام عندي ان يأتي كل الطاقم السياسي بعملية سياسية ديمقراطية ودورية.
السلام عندي الا يجلس الرئيس في كرسي الحكم اكثر من خمسة سنين .
السلام عندي الحرية في التعبير والترشيح والانتخاب .
السلام عندي ان امارس حقي في المواطنة ان اصبح مواطن منتج ومبدع ومسؤول وفق القانون والدستور. .
السلام عندي ان اجد صورتي معكوسة في مرآة الوطن ، انا والاخرين .
السلام عندي ان ارى سرب كبير من الاطفال يذهبون الى المدارس المؤهلة و في كل صباح ، ويتلقون المناهج التي تساعدهم للتعامل مع مستقبلهم ، مناهج ترسخ ثقافة السلام والتعايش والاحتفاء بالتنوع .
السلام عندي الا نصاب بالكوليرا كل عام وسائر الامراض التي من الممكن الوقاية منها .
السلام عندي الا يهددني احد في حياتي ، ووضعي الاجتماعي ، اسرتي ، عملي ، رأي ومشاركتي في كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة .
السلام عندي ان نزرع ونحصد في اراضي غير ملغومة .
السلام عندي ان يتم استخراج كل الموارد الغنية وان نستمتع بها الان والاجيال القادمة من بعدنا .
السلام عندي حسن الجوار مع الدول التي حولنا مبنية على التعاون الاقتصادي والتجاري والدبلوماسية السياسية الراشدة .
السلام عندي ان اثق في اخي والا اخزله ابدا ، واشجعه في نجاحه واصحح له مساره عندما يخطئ .
السلام الا تهددني الدولة بالحروب الغير متوقعة ، والا يفاجني القادة بالتغول على احلامي وتحطيمها دون رحمة .
السلام عندي الطرق المؤبدة التي تربط جوبا – نمولي – بور – مكال – واو – الرنك ..الخ .
السلام عندي المحافظة على البيئة والثروة الحيوانية .
السلام عندي الصحة والتعليم والامن والحرية .
السلام عندي ان اتمتع بحماية الدولة في كل المؤسسات وان اعامل باحترام وكرامة .
السلام عندي ان تختفي كل مخيمات النزوح واللجوء ويعود الناس الى مناطقهم آمنيين .
السلام عندي ان يتوقف الفساد الان .
السلام عندي نقل المدن الى الريف .
السلام عندي ان يحتويني وطني ولا يضطرني للهروب للبحث عن ملاجئ ، من حقي ان اعيش في ارضي ووطني .
السلام عندي حق وحياة ومشاركة .
السلام عندي كل معاني السلام ، ولا ارضى سوى بحزمة السلام كاملة ومجرد التركيز على وقف اطلاق النار يعني التخطيط لاندلاع حرب جديدة.
كونوا السلام ، فكروا في السلام بكل ابعاده ، شارك في السلام القادم ، كل جزء منه بكل القيم والمهام الذي يجب ان ننفذها معاً . السلام عملية جماعية طويلة المدى فننفذها بصبر حتى يهنأ أولادنا بالسلام .
وعلى أرض الجنوب السودان السلام
15- ديسمبر
الذكرى الثالثة لاندلاع العنف في جنوب السودان