حتى عام 2019، لم يعرف السودان، قيام دوري سوداني نسائي لكرة القدم، على رغم من ظهور فرق كرة القدم في وقت بعيد، وباعتبار السودان، واحد من الدول المؤسسة لأندية كرة القدم والاتحاد الأفريقي والتي تأسست عام 1948، بجانب مصر وإثيوبيا وجنوب أفريقيا.
في يوم الاثنين الموافق 1/10/2019م شهد السودان افتتاح أول بطولة كرة قدم نسائية في السودان، وفي مارس الماضي، اختتم فعاليات الدورة الرياضية الثانية للسيدات، وسط اهتمام كبير في الشارع العام والأسر والحكومة، شاركت في الدوري أندية رياضية من الولايات. توج فريق الدفاع الخرطوم، بلقب الدوري للمرة الثانية على التوالي، بعد تغلبه على فريق التحدي.
بمناسبة اليوم الدولي للرياضة والسلام والتنمية، خصصنا هذه المساحة للحديث عن كرة السيدات في السودان عن "دور رياضة السيدات في السلام والتغيير الإجتماعي".
فقد كان من أكبر التحديات التي واجهت قيام الدوري النساء في السودان، هي الأصوات التي ترى أن "لبس" النساء الرياضية تتنافى مع الدين الإسلامي والعادات والتقاليد السودانية، وشنو هجوماً على وزيرة الشباب والرياضة.
في السودان، لم يكن مسموحاً ممارسة السيدات للرياضة كرة القدم، في عهد حكومة الانقاذ، بحجة انها مُخالف لأعراف المجتمع السوداني والدين الإسلامي، ومع سقوط حكومة الانقاذ حصدت النساء ثمار تكوين فرق كرة القدم للسيدات.
انفتح الساحة امام النساء التي يعشقن كرة القدم، بعد 11 أبريل، وخرج الجميع في العلن لممارسة الرياضة. ونظم اتحاد الكرة دوري السيدات، بمشاركة حوالي 20 فريقا. اقدمها فريق المدفعجية التي تعتبر من اقدمها ومسجل بصورة قانونية لدى الاتحاد.
وتقول عائشة محمد إبراهيم، المديرة الفنية لنادي المدفعجية، للراديو تمازُج، أنهم بدأوا كرة السيدات في السودان من 2014 إلى 2015، بتأسيس فريق "المدفعجية" كأول نادي يضم 45 لاعبة، وتم اعتماده من قبل اتحاد جبل اولياء لكرة القدم.
وتضيف عائشة: "أجمل مافي تاسيس النادي، هو الدعم الاسري، فقد وقف الاسر مع بناتهم وقاموا بتشجيعهم لممارسة الرياضة، وكان شئ ملهم جداً في تأسيس النادي، وتكرر ذلك عند قيام دوري السيدات، كانت الأسر تقف مع بناتهن".
وقالت عائشة، أن لعبة كرة القدم للسيدات، لم تكن مجرد لعبة الكرة فقط، لكنها ساهمت في تأسيس العلاقات مع جهات رياضية آخرى من الرياضيين في اتحادات ألعاب القوى والدراجات وغيرها.
وتابعت: "عندما بدأ الدوري السوداني للنساء، ساهمت وجود الترابط الأسري، في نجاحها، نجد ان اللاعبة تتدرب اليوم، وغدا تذهب إلى الحي وتحكي عن الرياضة تنضم فتيات اخريات الى المنشط من الصديقات والجيران واصبح الفريق يضم عدد كبير من اللاعبات، والامهات تطلب مننا انضمام بناتهن إلى كرة السيدات".
وقالت عائشة، أن الترابط الأسري الإجتماعي في السودان، من الأخلاق والقيم، ساهمت في محاربة العنف من خلال الرياضة قائلة: "الرياضة سلاح قوي".
لاعبة فريق المدفعجية سلمى عوض، والتي أرجعت الفضل في تعليمها لعبة كرة القدم إلى مدربها "سارة ادوراد"، وهي واحدة من أبرز السودانيات في مجال كرة السيدات ووصلت للاحترافية في التدريب بالخارج، تقول: "تجربة لعبة كرة القدم كانت صعبة، تعرضت لمضايقات من الأهل والشارع، وهم يسخرون مني، هل أنت ولد أم فتاة، وهذا طبعا تقلل رغبة الانسان والحماس في تعلم الرياضة، لكن أنا من النوع التي تركز على ما تريدها، أن أحصل عليه كهدف، وأحياناً وجدت الدعم وأسرتي وقفت معي في النهاية".
وأضافت: "المدربة سارة إدوارد، كسرت تلك الافكار والجمود، بيني مع الأسرة، وأتذكر في عيد عيد الأم طلبت سارة أن نحتفل نحن اللاعبات في الميدان مع امهاتنا بالعيد، وكانت فكرة رائعة وبالفعل قربت الفكرة العديد من الأمهات إلى لعبة كرة قدم للسيدات، وكانت نقطة تحول جميلة بالنسبة لي لأن أمي كانت فرحانة، لكن البداية كانت صعبة وحالياً الأمر مختلف".
وقال عبدالرحيم حامد، نائب رئيس اللجنة المنظمة لدوري السيدات، لراديو تمازُج، أنهم كانوا متخوفين من وجود أفعال داخل ملاعب كرة القدم السيدات، عند انطلاق الدوري، لكن التجاوب الكبير في الشارع السوداني، ووقفتهم ساهمت في نجاح الدوري، وأن في مقبل الأيام ستكون للكرة السيدات السودانية كعبة عالية في السودان وأفريقيا.
وأبان عبدالرحيم، أن كرة القدم للسيدات في السودان، هي واحدة من اهتمامات اتحاد الكرة، وأثبت المنافسة الرياضية الأولى والثانية نموذج للتعايش السلمي والسلام والمحبة بين اللاعبات والمجتمع. قائلاً: "شهدنا عدد كبير من البنات من مناطق الهامش تلعبهن الكرة في الأندية الرياضية التي شاركت في دوري السيدات".
وأضاف: "نادي صمود كادوقلي، نادي الكرنك، هي من أكثر الأندية لها الوجود من مناطق الهامش"..
وأوضح عبدالرحيم، أن كرة القدم للسيدات خلق مناخ التسامح بين مكونات المجتمع السوداني والجنوب سوداني والاثيوبي، قائلاً: " هناك سيدات من جنوب السودان وإثيوبيا، تلعبهن في الدوري السوداني للسيدات، وهذه الرياضة لا تعرف الحدود الجغرافية، هي رسالة السلام والمحبة والتواصل بين الشعب السوداني وجيرانه".
وبما أن الكرة السودانية للنساء وجدت اقبالاً من الشارع السوداني، يقول المواطن خالد متولي، أن رياضة السيدات في السودان توقفت في عهد حكومة الإنقاذ، ومع ثورة ديسمبر تم أحيائها، في عهد الوزيرة ولاء البوشي، وبدأت السيدات في ممارسة الرياضة من الجديد. قائلاً: "مفهوم أن تعلب السيدات كرة القدم في السودان، أمر جديد للكثير من الناس، لكن كانت موجود من قبل".
وقال متولي، أن العديد من الأندية الرياضية مثل المريخ والهلال، بدأت في تأسيس فرق السيدات، ووجد اقبالا كبيرا ومشاركة واسعة، لأن الامر مهم ويعالج مشاكل السودان المتعلقة بـ "نظرة المجتمع تجاه المرأة".
اما المواطن الصادق، فهو يرى أن التشريعات الاسلامية في عهد حكومة الإنقاذ أوقفت كرة السيدات، بعد أن كانت للمرأة السودانية مشاركات خارجية، لكنه قال: "بعودة كرة السيدات فإن المرأة السودانية قادرة على تمثيل البلاد".
وتابع: "الهدف من كرة السيدات هي توحيد المجتمع وإخراجه من دائرة المفاهيم الخاطئة عن المرأة، والعمل على المساواة بين الرجل والمرأة من جميع الجوانب في الحياة".
معاوية ابراهيم جمعة، ينظر أن البنية البدنية للمرأة السودانية غير مناسبة لنشاط كرة القدم، وان يمكن أن تلعب رياضة كرة الطائرة وغيرها، قائلاً: "المرأة السودانية البنية البدنية غير مناسبة لكرة القدم، لكنها قادرة على المنافسة في الانشطة الرياضية الاخرى".
تعكس كرة السيدات في السودان مشهدا لدور النساء في الصفوف الامامية عند احتجاجات ثورة ديسمبر، والبداية تمثل نقطة تحول في تاريخ السودان مجدداً لكثير من السودانيين.
تاريخياً، شارك فريق التحدي للسيدات السوداني، في دورة ودية في ألمانيا، وكانت المشاركة تمت بصورة منفردة.