شهدت ولاية الجزيرة في السودان، سلسلة من الأحداث المأساوية التي بلغت ذروتها في ما بات يعرف بـ “مجزرة الكنابي”. هذه المجزرة، التي راح ضحيتها عشرات المدنيين الأبرياء، أثارت موجة من الإدانات والاستياء على الصعيدين المحلي والدولي، وسلطت الضوء على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تشهدها البلاد.
- تفاصيل الجريمة وأعداد الضحايا
بدأت الأحداث، بعد أن فرضت القوات المسلحة السودانية والقوات الموالية لها سيطرتها على ولاية الجزيرة، حيث شهدت قرى الكنابي سلسلة من الهجمات التي شنتها قوات مسلحة، مما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين، وإصابة المئات، وتشريد الآلاف من أهاليهم. وقد وُثِّق العديد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، من القتل العمد، بتوثيق العديد من الحالات التي قتل فيها مدنيون أبرياء بشكل تعسفي، بما في ذلك الأطفال والنساء وكبار السن، وأجبرت الهجمات آلاف المدنيين على الفرار من منازلهم. فيما حدث اعتقالات لعشرات المدنيين ظلما وعدوانا، وتعرضوا للتعذيب والاحتجاز في ظروف قاسية.
المجزرة خلفت آثارا نفسية واجتماعية عميقة على الناجين والأسر المتضررة، فضلا عن زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.
وفقا لشهادات محلية حصلت عليها راديو تمازج، قُتل عشرات المدنيين في مجزرة مروعة شهدتها منطقة الكنابي، فيما أكدت مقاطع فيديو متداولة على وسائل التواصل ارتكاب الجرائم من قبل أفراد مسلحين يرتدون زياً عسكريا ومدنيا.
وأفاد سكان محليون تحدثوا لراديو تمازج “فضل حجب هويتهم لأسباب أمنية”، بأن قوات ترتدي زيا عسكريا ومدنيا، من بينها كتائب درع السودان، هي من نفذت عمليات تصفية ميدانية بحق مدنيين بتهمة تعاون المواطنين مع قوات الدعم السريع. ووثقت المصادر مشاهد مروعة تضمنت ذبح عشرات المواطنين وإلقاء آخرين في مياه النيل، بينما بلغ عدد القتلى في منطقة “كمبو طيبة” عشرات الأشخاص وفقا لإحصاءات أولية.
في تصريح رسمي، أدان الجيش السوداني، الجريمة وأكد التزامه بإجراء تحقيق شامل ومحاسبة المتورطين، سواء كانوا من القوات الحكومية أو مجموعات أخرى، لكنها لم تنفي تورط قواتها في أحداث القتل.
منطقة الكنابي، عبارة عن تجمعات سكانية نشأت على أطراف المشاريع الزراعية الكبيرة في وسط وشرق السودان، حيث استقر فيها المزارعون وأسرهم مع توسع المشاريع الزراعية. ومع مرور الوقت، تحولت هذه التجمعات إلى أراض واسعة ومأهولة بالسكان، يؤدون دورا رئيسيا في الإنتاج الزراعي.
وفقا لمصادر التي تحدث لراديو تمازج أيضا من منطقة “كمبو خمسة” بولاية الجزيرة، فإن الأحداث التي حدث 9 يناير، قُتل أكثر من عشرة أشخاص، وأُحرِق طفلين أحياء داخل منازلهم، واختطاف 13 امرأة ونهب الممتلكات.
من الصعب تحديد العدد الدقيق لضحايا مجزرة الكنابي، حيث تختلف الأرقام حسب المصادر، ولكن التقديرات تشير إلى أن عدد القتلى بلغ العشرات، والجرحى والمصابين. كما تشير التقديرات إلى أن عشرات الآلاف من المدنيين شردوا من منازلهم نتيجة لهذه الهجمات.
- مقاطع فيديو مروعة:
انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو مروعة لأفراد يرتدون زيا عسكريا ومدنيا، يصورون ضحايا من رعايا جنوب السودان بعد قتلهم وأخرى يصور جريمة القتل بالذبح، وحالات الاستفزاز والاعتداء على المدنيين العزل في مناطق قرى الجزيرة. وقد أثارت هذا المقاطع غضبا واسعا النطاق على صعيد المحلي والإقليمي والدولي.
يشهد السودان صراعا مسلحا منذ عام 2023، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان، نتجه عن التحريض على الكراهية واستخدامه لتأجيج الصراع وتبرير الجرائم المرتكبة، فيما يشجع الإفلات من العقاب على ارتكاب المزيد من الجرائم، حيث يشعر الجناة بأنهم فوق القانون.
توثيق الجرائم وإدانات من القانونين:
قال محامو الطوارئ، وهي مجموعة حقوقية غير رسمية، إن 13 شخصا، بينهم طفلان، قتلوا فيما اعتقل عدد من المدنيين، من بينهم نساء، إثر “هجمات من قبل قوات تتبع للجيش والمليشيات المتحالفة معه على قرية كمبو طيبة في محلية أم القرى بولاية الجزيرة منذ 9 يناير الجاري.
وأشار بيان محامي الطوارئ، إلى أن هذه الاعتداءات تأتي في سياق “حملات عرقية ومناطقية تستهدف مكونات مجتمعية في ولاية الجزيرة، وتتهم بالتعاون مع الدعم السريع، وخاصة سكان قرى الكنابي”.
من جانبه أدانت هيئة محامي دارفور بـ “أشد الألفاظ والعبارات” ما وصفتها بـ “الانتهاكات الجسيمة الممارسة بمدينة ود مدني” عقب استردادها من قبل الجيش، مشيرة إلى “حرق كمبو خمسة كمبو طيبة، وقتل ثلاثة عشر شخصا على الأقل بينهم أطفال وشيوخ، ومحذرة من نتائج ظاهرة أخذ القانون باليد”.
- مطالب بالعدالة للضحايا
وثّقت الحقوقية رحاب مبارك سيد أحمد، عضوة الشبكة السودانية لحقوق الإنسان، سلسلة انتهاكات بالمنطقة، شملت القتل والحرق والإعدام الميداني. وأشارت إلى تسجيلات مصورة تُظهر جرائم تطهير عرقي ارتُكبت على يد قوات ومجموعات مسلحة تدعم الجيش السوداني.
وفقا لها شملت الجرائم الموثقة حرق قرى بأكملها، قتل أطفال، وتعذيب وحشي لمواطنين، ودعت مبارك إلى تقديم المواد المصورة كأدلة لتحقيق المساءلة.
أما المحامي مأمون فاروق، وصف الجريمة بأنها “نكراء وغير مسبوقة”، مشيرا إلى أنها تستهدف المكونات الأفريقية التي تعيش في السودان منذ قرون. وقال لراديو تمازج إن هذه الأعمال تعكس تصاعد خطاب الكراهية والعنصرية التي تهدد النسيج الاجتماعي، داعيا إلى الوحدة الوطنية لمواجهة محاولات تأجيج الفتنة. كما حذر من أن هذه الجرائم قد تُستخدم كوسيلة لاستعادة السلطة بطرق غير مشروعة.
ردود فعل دولية وإقليمية
أدانت الأمم المتحدة بشدة هذه الجريمة، ووصفتها بـ “انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني”، وطالبت بوقف العنف فورا وإجراء تحقيق مستقل في الحادثة. كما أعرب الاتحاد الأفريقي عن قلقه العميق إزاء الوضع في السودان، ودعا الأطراف جميعها إلى ضبط النفس والعودة إلى الحوار.
فيما نددت منظمات حقوق الإنسان الدولية بهذه الجريمة، وطالبت بفتح تحقيق دولي ومحاكمة مرتكبيها.
مجزرة الكنابي تذكير مؤلم بأن الصراع في السودان لا يزال يهدد حياة المدنيين، ويستوجب تضافر الجهود الدولية والإقليمية لإنهاء المعاناة، وتحقيق العدالة للضحايا.