عنف عصابات الظلام تفتك مستقبل الشباب بجنوب السودان

يشكل عنف العصابات في جنوب السودان أحدث دولة في العالم، تحديا أمنيا واقتصاديا خطيرا. ففي ظل الصراعات السياسية المتكررة والفساد المستشري، تجد العصابات ملاذا آمنا لتنفيذ أعمالها الإجرامية، هذا العنف يهدد مستقبل الشباب في البلاد.

ويعد الشباب في جنوب السودان هم الأكثر تضررا من عنف العصابات، فغياب فرص العمل والتعليم والعنف وظروف الحياة، يدفع الكثيرون منهم إلى الانضمام إلى هذه العصابات بحثا الحماية أو المال، هذا الجيل الضائع يمثل تهديدا مستقبليا لسلام واستقرار البلاد.

أسفرت أنشطة مجموعات العصابة عن خسارة في الأرواح أو فقدان الممتلكات، حيث ينفذون اعتداءات خطيرة من خطف الشنط في الشوارع الرئيسية، واشتهرت هذه المجموعة المحلية في جنوب السودان العاصمة جوبا باسم “تورنتو”.

جاكوب أوكوي، أحد أفراد العصابة الإجرامية المعروف باسم “هارد بوي” التقاه راديو تمازج في جوبا، حيث يقول إنه لجأ إلى العنف لمعاقبة أقاربه الذين فشلوا في دعمه وأخته الصغيرة، وإرسالهما إلى المدرسة أو العلاج بعد وفاة والدهم.

يشرح أنه عندما توفي والده خلال الحرب في عام 2016، عاش هو وأخته مع أقارب والده، لكن الحياة أصبحت صعبة؛ لأنهم لا يلبون متطلباته كطفل، ويضيف أن ذات يوم، اقترض بعض الأموال من صديق له لبدء حياة جديدة مع أخته، وأن منذ ذلك الحين أصبح عضوا في مجموعة العصابات، وقال “العصابات هم عائلتي؛ لأننا نعتني بأنفسنا جيدا”.

أكوي، غير نادم على انضمامه إلى العصابات، لأنه قادر على توفير متطلبات المعيشة، ويجد حريته مع المجموعة المفقود ورعاية أخته التي تدرس الثانوية حاليا بعد وفاة والديه، على حسب تعبيره.

يقول اوكوي، أن قبض عليه ذات يوم، لكن روح العمل الجماعي من مجموعته العصابية دفعوا الكفالة المالية؛ لأنها أحد أهداف المجموعة. وقال “أنا غير نادم أنني أصبحت عضوا في العصابة، لأنه من هنا وجدت منزلا حقيقيا لي ولأختي، ويمكنني إرسال أختي إلى المدرسة، وهذا ما يجعلني أبذل قصارى جهدي كل يوم”.

يوضح أنه اختار حياة محفوفة بالمخاطر، ويمكن اعتقاله في أي وقت، لكن أعضاء مجموعته يدفعون الكفالة لإنقاذه، وهذه هي الطريقة التي تعتني بها الأسرة بنفسها، هكذا يقول.

يحث أوكوي، حكومة البلاد، على وضع قوانين لمقاضاة الآباء الذين يفشلون في إرسال أطفالهم إلى المدرسة، أو توفير احتياجاتهم الأساسية، الذي يجبر بعضهم على الانضمام إلى عصابات الشوارع، وأن على الحكومة ابتكار أنشطة تمكين الشباب.

بحسب سرده، فإن معظم الشباب اختاروا حياة العصابات بسبب سوء المعاملة من أقاربهم أو أسرهم، حيث يصبح خيار الانضمام إلى العصابة هو الوحيد أمامهم.

يقول اوكوي، إنه انضم إلى العصابة بعد أن تعرض للضرب في أحد الأيام من المجموعات المنفلتة “العصابات”. قائلا “في أحد الأيام تعرضت للضرب في الشارع من قبل مجموعة من الشباب المعروفة بالنقرز، وبعد أن اعتدوا عليه قررت الانضمام إلى مجموعة- ويست بويز- وهي عصابة منافسة حتى لا أتعرض للضرب مجددا، وهدفي كان حماية نفسي لأنني يتيم”.

44 من أفراد العصابات “تورنتو” مع دراجاتهم النارية- قُبِض عليهم من قبل الشرطة بجوبا- أبريل 2024 

جيمس براون، أحد أفراد عصابة “ويست بويز” سابقا، يقول لراديو تمازج أنه تأثر بأصدقائه، وانضم إلى المجموعة في عام 2009، وأن حياته تحول على العقب وبداء في تدخين البنقو، ويتصرف بالعنف في المنزل، وزاد “عندما أدركت أن حياتي في خطر، قررت ترك المجموعة”.

يشرح أن صديقا له كان قد أقنعه بالانضمام إلى المجموعة، وعددهم ثلاثة أفراد، وأصبح هو العضو الرابع، وبدأ في تناول المخدرات وتدخين البنقو، إلى أن أصبح علاقته مع أسرته متوترة. قائلا “أصبحت لا أسمع إلى نصائح والدتي، وإهانة والدي وعمي، وسرقت المال فقط لشراء المخدرات”.

بروان، منذ أن ترك الحياة العصابة، يقول إن حياته تغيير، ويرى في نفسه أنه أصبح شخصا مسؤولا، ويعتني بأسرته وأخواته وسط الوضع الاقتصادي الصعب في جنوب السودان.

شهادة بروان عن التغيير الحدث في حياته، قد تكون ملهماً لعديد من الشباب والشابات الذين يخاطرون بحياتهم، وما زالوا نشطة في حياة العصابات.

المدير التنفيذي لمنظمة تمكين المجتمع من أجل التقدم، إدموند ياكاني، يقول أن الشباب ينخرطون في أنشطة إجرامية بسبب نقص الوظائف التي تبقيهم مشغولين.

جوزيف بلال، آب ويعيش ابنه حياة العصابات، تحدثنا إليه لمعرفة بعض الجوانب، حيث بدا معبرا عن إحباطه من الاتجاه الذي يسلكه الشباب، ويقول إنه واجه تهديدات متكررة من ابنه “بتقطيعه أو دعوة أعضاء المجموعة لتنفيذ ذلك”.

بحسب بلال، فان عندما تريد الأب توبيغ ابنه، فإنهم يتحول إلى الآباء والآباء إلى الأطفال، ويهددون بتقطيع الوالد بالساطور.

يحث بلال، الحكومة على تولي زمام المبادرة في إصلاح حياة الأطفال المنحرفين.

عضو سابق في إحدى العصابات، فضل عدم الكشف عن هويته، يقول إنه نجا من الموت بأعجوبة بعد أن استهدفه أفراد العصابة في الساعة العاشرة مساءً في أثناء عودته إلى منزله بعد مشاهدة مباراة كرة قدم في الدوري الإنجليزي الممتاز في منطقة لولوقو السكنية.

ويحث الحكومة على وضع سياسات تهدف إلى خلق بيئة سلمية للسكان المحليين؛ لأن الناس يعيشون في خوف بسبب أنشطة العصابات، ووضع سياسات تحظر أنشطة العصابات وتمكين الشباب من عدم الانضمام إلى الأنشطة الدموية؛ لأن معظم سكان ضواحي جوبا يعيشون في خوف بسبب تهديدات العصابة.

فلورا كيدن، مواطنه مقيمة في جوبا وناشطة في احد كنائيس جوبا، ترى أن على الكنائس أن تبدأ بمبادرة لمواجهة لمجموعة العصابات. وذكرت أن الشباب انخرطوا في أنشطة العصابات بسبب التحديات التي تواجه الأسر، وأن دور الكنيسة والحكومة هو رعايتهم للانخراط في أنشطة منتجة.

وقالت إن الأطفال الذين تربوا على تعليم الكنيسة والمجتمع سوف يتبين أنهم قادة المستقبل. وتابعت “على الآباء والقادة الدينيين ووكالات إنفاذ القانون أن يتعاملوا سلميا مع الأطفال من أجل منعهم من الانضمام إلى الجماعات الإجرامية”.

رونالد جاكوب، سلطان جوبا نا باري، يقول لراديو تمازج، أن أنشطة العصابات في جنوب السودان مثيرة للقلق، وخاصة في منطقته حيث تعرض للهجوم في مكتبه في أحد الأيام.

وأوضح أن بعد أن هاجمه المجموعة العصابية، جلس مع أعضاء مكتبه، ووضع خطة للحوار مع العصابات، وتمكنوا من التوصل إلى بعض التفاهمات. قائلا “جلسنا ذات يوم، وقررنا تغيير استراتيجيات تدخل الشرطة لاعتقالهم، وتمكنا من إشراك جميع المجموعات الثلاث للنيقرز في منطقة جوبا نا باري، وكانت نتيجة سلمية”.

في 21 أغسطس الماضي قال المتحدث باسم الشرطة العقيد جون كاسارا، أن هنا أهمية لتعزيز التعاون مع وسائل الإعلام لبسط الأمن في الدولة، ومحاربة الأنشطة الإجرامية التي تحدث في المناطق السكنية.

في جنوب السودان تشهد الأحياء السكنية في المدن الرئيسية، ظاهرة انتشار العصابات الإجرامية المحلية المعروفة باسم “النيقرز” اي “تورنتو”، حيث يرتكبون جرائم النهب تحت التهديد. مع ذلك تعجز السلطات في إنهاء أنشطتهم.

نحو 12 مليون نسمة تقدر عدد سكان أحدث دولة في العالم، غالبيتهم الشباب، لكن هذا العدد الكبير من الشباب ينخرطون في أنشطة الإجرامية عن طريق عصابات محلية يطلقون على أنفسهم أسماء مختلفة.

مكافحة عنف العصابات في جنوب السودان تتطلب جهدا متضافرا من قبل الحكومة والشعب ومنظمات المجتمع المحلي، والتركيز على معالجة الأسباب الجذرية لهذه المشكلة، وتوفير البدائل للشباب، وبناء مجتمع أكثر عدالة واستقرارا.