راي: مسألة الجيش الموحد

وردت مسألة توحيد القوات ، وتدريبها ، لتكون نواة للجيش المستقبلي لجنوب السودان ، نتيجة لمصاعب وأزمات حقيقية تسبب فيها فشل الحكومة منذ البداية في تحويل الجيش الشعبي من جيش ثورى الي جيش حكومي منظم ، بقوام محدد ومعروف ، وعقيدة صلبة تهدف لحماية الدستور.

وردت مسألة توحيد القوات ، وتدريبها ، لتكون نواة للجيش المستقبلي لجنوب السودان ،  نتيجة لمصاعب وأزمات حقيقية تسبب فيها فشل الحكومة منذ البداية في تحويل الجيش الشعبي من جيش ثورى الي جيش حكومي منظم ، بقوام محدد ومعروف ، وعقيدة صلبة تهدف لحماية الدستور ، ووحدة التراب الوطني ، فمعروف ان الجيش الشعبي لتحرير السودان طوال فترة الحرب الاهلية كان قد قام على تطوع المقاتلين بانفسهم ، للقتال من أجل القضية السياسية المطروحة ، لكنه اعتمد بصورة اكبر على حملة الاستقطاب من المجتمعات المحلية لدعم ثورة الحركة الشعبية ، لكن سؤال اصلاح الجيش ظل حاضرا خلال جميع المؤتمرات التي عقدتها الحركة آنذاك ، ومن بينها توصيات إجتماع رومبيك الشهير في ديسمبر 2004.

 إختارت الوساطة واطراف اتفاق السلام ، نموذج الترتيبات الامنية الوارد في اتفاقية نيفاشا للسلام 2005 ، وهو ان تنشأ ووحدة مشركة من جميع القوات التي كانت تحارب ضد بعضها خلال السنوات الماضية ، بما فيها الجيش الحكومي الحالى ، وتحديد مراكز للتجميع ومن ثم التمحيص قبل ارسالهم لمعسكرات التدريب تحت إشراف خبرات عسكرية من السودان ويوغندا ، باعتبارهما الضامنين الرئيسيين لاتفاق السلام ، وأشارت الاتفاقية ان الهدف من هذه العملية هو توحيد العقيدة القتالية ، وتلافي الانهيار الذي حدث لاتفاقية اغسطس 2015 ، والتي انتهت بتجدد المواجهات بين قوات الحكومة و المعارضة المسلحة في محيط القصر الرئاسي بجوبا في يوليو 2016.

لقد أسهبت اللجنة التي كونها الاتحاد الافريقي برئاسة الرئيس النيجيرى اوباسانغو ، لتقى الحقائق حول اسباب اندلاع احداث ديسمبر 2013 ، في الجانب المتعلق بالقوات الحكومية ، التي سرعانما انقسمت على نفسها بحكم الولاءات السياسية ، وبسبب الاستيعاب المستمر للمليشيات التي كانت تحارب الحكومة ، دون ان تكون هناك عملية تاهيل وتدريب مستمرين ، لاذابة تلك الفوارق وبناء جيش قومي متماسك تستعين به البلاد عند إشتداد الازمات كما يحدث في كثير من الدول التي مرت بتجارب مشابهة في حرب التحرير ، حيث استطاعت ان تؤسس لقوام عسكري جديد يمثل شتي مكونات البلد كما هو الحال في اثيوبيا ويوغندا المجاورتين ، فمعروف ان بناء جيوش الغوريلا تنظر للقوام العددي اكثر من اي شئ واحد وان انحدرت من مجموعة واحدة ، وهذا ما تجاوزته تلك التجارب ، لان وحدة الجيش وابتعاده عن الممارسة السياسية يمثل الضمانة الرئيسية لاي تحول سلمي مقبل في البلد .

     كذلك الحال بالنسبة للحركات المسلحة ، التي استعانت في حربها ضد الحكومة بمن توافر امامهم من قوات أو جماعات مدنية حاملة للسلاح ، وقد تم التجنيد ايضا وفقاً لعوامل عاطفية قائمة على الثأر و الإنتقام في ظل غياب البرامج و اللوائح العسكرية التي تنظم عمل القوات ، وقد أدي ذلك لتورطها لدى الطرفين في الحكومة و المعارضة في انتهاكات صريحة وجرائم موحشة ترتقي لمستوي جرائم الحرب ، من خلال إستهداف المدنيين ، اغتصاب النساء ، ونهب قوافل الاغاثة الانسانية ، وتحضرنا هنا العديد التقارير التي تصدرها منظمات حقوق الانسان كان آخرها التقرير الصادر عن الأمم المتحدة حول وقوع اعمال عنف جنسي في ولاية الوحدة السابقة .

    نرجوا ان يتعامل اعضاء اللجان العسكرية المعنية بتنفيذ الترتيبات الامنية مع مسألة توحيد القوات بدرجة عالية من الجدية و الالتزام بما نصت عليه الاتفاقية نصا وروحاً ، فلا يوجد مايدعوا لأي نوع من (الكلفتة) و الإستعجال ، فاعادة تدريب القوات وتوحيدها مسألة جوهرية لانها تمثل صمام الأمن بالنسبة للاتفاقية ، كما انها تمثل الضمانة الأكبر لصمود الجوانب السياسية منه ، والتي تبدأ بالتحديد مع تكوين الحكومة الانتقالية ، لان هنالك أصوات تطالب بترحيل كافة البنود المعلقة للمرحلة الثانية من تنفيذ الاتفاق ، وتلك مسألة خطيرة اذا تسامحت معها الاطراف فانها ستكون قد أجهزت بنفسها على الاتفاقية في مهدها ، مما يفتح الباب واسعاً أمام فرص تكرار ذات السيناريو القديم الذي سيكون وخيماً في عواقبه هذه المرة .

  ان هذا الجانب المتعلق بتوحيد القوات ، وتكوين جيش قومي في عقيدته وتوجهاته ، هو أكثر الجوانب التي تهم المواطن أكثر من غيره ، فكثيرا مانسمع بمؤتمرات للحوار و الصلح بين الجيش و المواطنين في العديد من المناطق ، وهو ما يعد مؤشرا على وجود مخاوف حقيقية بين المدنيين من الممارسات التي تتم ضدهم من قبل افراد يرتدون الزي العسكري ، يحدث هذا في مناطق سيطرة الحكومة و المعارضة ، قد جاءت الفرصة الآن لإعادة الامور الي نصابها من خلال تنزيل تلك التريبات على أرض الواقع ، وإخراج البلاد من دائرتها الجهنمية (إقتتال ، تسوية ، انهيار التسوية ، العودة الي الحرب مرة أخرى) ، فلقد خلقنا الله ووهبنا هذي البلاد كي ننعم بخيراتها كما بقية الشعوب الحرة.


مقالات الرأي التي تُنشر عبر موقع راديو تمازج تعبر عن آراء كُتابها وصحة أي ادعاءات هي مسؤولية المؤلف، وليست راديو تمازج