بعد توقيع إتفاقية السلام ، ظهرت عدد من المجموعات المعترضة على تلك التسوية ، ووصفوها بالقصور في معالجة الأسباب الجذرية للصراع في جنوب السودان ، بجانب فشلها في معالجة قضية جوهرية مثل الفدرالية ، لم تقدم تلك الجماعات تبريرات أخرى إضافية ترفض بها الإتفاقية بشكل تفصيلي ، مما يعني أنها رفضته جملة وتفصيلا ، وباتت تفكر في خيارات أخرى جديدة لم تفصح عنها حتي الآن ، وهذا يذكرنا تماما بأوضاع ما بعد اتفاقية أديس أبابا ، حينما رفضتها بعض جماعات الأنانيا مفضلة الإعتصام بالغابة سعياً وراء تحقيق أهدافها الرئيسية التي تقاصرت عن تحقيقها إتفاقية لاقو- نميري ، وقد بدأ معسكر الجمعات المعترضة على إتفاقية السلام يتسع إذ بات يشهد في كل يوم إنضمام مجموعة جديدة (منشقة) عن تنظيمات المعارضة الأخرى الموقعة على الإتفاق ، وهذا تطور جديد يستحق الاهتمام ، ففي السابق كانت الجماعات المنشقة تتسابق نحو المعسكر الحكومي لما يوجد فيه من سلطة و إمتيازات مادية ، وظلت تلك هي الظاهرة السائدة والشائعة في السياسة الجنوبية طوال العقدين الماضيين ، مما يعني بأن الإتفاق الأخير لايواجه أزمة تشكيك من المجتمع الدولي فحسب ، لكن هناك جماعات جنوبية مسلحة وسلمية تنأي بنفسها عنه ، فهي لا تتوقع أن يحدث أي نوع من الانفراج الذي يؤهلها لمناوئته من داخل البلاد خلال الفترة الانتقالية المقبلة.
جبهة المعترضين هذه لا تمثل تحدي لأطراف الاتفاقية وحدها ، فهي تمتلك وجهة نظرها التي قد نتفق أو نختلف معها ، لكن معروف إن عملية إعادة إحياء اتفاقية السلام ، كانت قد اقتصرت إبتداء على محاولة بث الروح مجدداً في اتفاقية 2015 ، من خلال توسعة مشاركة المجموعات الجديدة في معادلة قسمة السلطة ، معالجة مسألة الولايات ، الى جانب مراجعة إتفاقية الترتيبات الأمنية ، وقد ظلت الوساطة تردد بأن إحياء اتفاقية السلام لا يعني إعادة التفاوض حول بنودها من جديد ، فكيف فات الأمر على تلك المجموعات حتى ترتضي ان تكون جزء من أصحاب المصلحة في إتفاقية حددت أسباب النزاع ونظام الحكم مسبقاً في وثيقة أغسطس 2015 ، ووضعت على ضوئها المعالجات التي إرتضتها الأطراف خلال عملية إعادة الإحياء ، فلو كانت العملية السلمية الأخيرة تهدف للتفاوض على قاعدة جديدة غير قائمة على ذلك لتفهمنا كيف تجاوزت الإتفاقية الأسباب الجذرية للنزاع "بعد تحديدها و التوافق عليها من قبل أطراف المعارضة " ، لكن الوضع هنا يختلف تماماً وهو السبب الذي أفضي لقبول بقية جماعات التحالف بالدخول في تلك التسوية على علاتها ،أو كما قال الدكتور لام اكول بان هذا الاتفاق مرضي بالنسبة لهم ، فما كل ما يتمناه المرء يدركه ، فهذا الإتفاق حاول أن يوازن ما بين قضية الإصلاح والمساءلة والمشاركة في السلطة .
أيضا كان سيكون مقدراً مثلاً لو تكرمت الجماعات المعترضة على إتفاقية السلام و الرافضة لها ، وتقدمت بتعريف تفصيلي بأسباب الصراع الحالي في دولة جنوب السودان ، لأن ذلك سيساعد بشكل كبير في تقديم الصورة الكلية للأزمة ، وهل يمكن حلها عن طريق إتفاق سلام جديد ، أم أن هنالك آليات أخرى جديدة يمكن انتهاجها لحل الأزمة التي تمر بها بلادنا حالياً من غير إتفاقية السلام المعاد إحياؤها ، والتي يفترض أن تنتهي باقامة انتخابات عامة بنهاية الفترة الإنتقالية المقبلة كآلية متفق عالميا عليها في تداول السلطة بصورة سلمية.
أما فيما يتعلق بالفيدرالية كنظام للحكم فإن الاتفاقية قد أشارت إليها في ديباجتها إلى اعتمادها كنظام للحكم في جنوب السودان ، على أن تتفق أطراف حكومة الوحدة الوطنية على الصيغة المطلوبة منها ، لأن هنالك أنواع عديدة من الفدرالية ، مما يستوجب دراستها واختيار النموذج الأمثل والأصلح من بينها لتطبيقه في واقع جنوب السودان ، وكنا أيضا نتوقع من البيان المنسوب للمجموعة الرافضة لإتفاق السلام أن توضح بتفصيل أدق أي من النظم الفدرالية التي تنشد اعتمادها في البلاد ، ولماذا رفضت صيغة الحل الواردة في متن وثيقة الإتفاق بعد توقيعه وهي التي كانت تشارك في عضوية فريق تحالف المعارضة الذي تفاوض وأقر بتلك الصيغة النهائية كحل مرضي لجميع الأطراف.
إن الدفع بأسباب الاعتراض على إتفاقية السلام في هذه المرحلة بالنسبة للمجموعة المعترضة يجب أن يتسع ليشمل الجوانب العامة للقصور الذي تراه في ذلك الاتفاق ، بما يتجاوز نظرتها الذاتية ومصالحها الخاصة كجماعات سياسية مهتمة بأن يكون هناك مستقبل أفضل لشعب جنوب السودان ، فتلك مسئولية وطنية بلا شك تنطلق من التعبير عن جملة المخاوف و القضايا الخلافية بانفتاح ووضوح كبير ، كما أن جميع المواقف ستكون عرضة للنقاش و الحوار بلا شك ، لأن الفيصل لن يكون هو الحكومة ولا المجتمع الدولي أو الإقليمي ، فالشعب هو الفيصل وهو المعني بجميع تلك التقاطعات.