قبل أن تغادر الوفود التفاوضية العاصمة السودانية الخرطوم نحو أديس أبابا الإثيوبية، حيث ستنعقد اجتماعات وزراء خارجية الإيغاد التي من المتوقع أن تناقش النقاط التي سبق وأن أثارتها المعارضة ،بالإضافة لتحفظ الحكومة الجديد ،والذى عبرت قبل أيام ، لم تصرح به لأي من وسائل الإعلام بل قدمته للطرف السوداني في الاجتماعات المغلقة ، فقد بدأ أنها أي الحكومة شديدة الإمتعاض من توزيع المقاعد الوزارية عن طريق التناوب الشبيهة بعملية (سحب القرعة) المتبعة في مباريات كرة القدم و الخطة الإسكانية، فالحكومة لم تقدم فيما يبدو أي مبررات للمطالبة بإفساح المجال أمامها لتختار ماتريد من حقائب وزارية ومن ثم تقوم بترك بقية المقاعد للمجموعات الأخري المشاركة في جولات التفاوض ، مما يعني بصورة عملية إعادة فتح التفاوض مجدداً حول بند تقاسم السلطة وتعديل بنود إتفاقية السلام التي تحدد طريقة توزيع المقاعد الوزارية على كافة الأطراف لتتوافق موقفها.
قبلا ، تمسكت الحكومة في موقفها التفاوضي بمقترح زيادة المقاعد الوزارية وتكوين حكومة موسعة ، رغم إعتراضات بقية الأطراف التي كانت تساند الموقف الداعي لتكوين حكومة تصريف أعمال رشيقة ، تضطلع بمهام تنفيذ بنود الإتفاقية خلال الفترة الإنتقالية ، وأن تتفرغ جميع الأطراف السياسية لعملية التعبئة وسط القواعد والتهيئة للإنتخابات العامة التي ستقام بنهاية الفترة الإنتقالية ، ويفهم من موقف الحكومة هو أنها تريد ان تتمسك بحلفائها الحاليين خلال الفترة المقبلة ، علما بان جميع الاطراف قد احتمكت لذلك المقترح بعد أن تبنته الوساطة ليكون ملزماً للجميع .
سيقود الإخلال بآلية توزيع السلطة و المقاعد الوزارية إلى أزمة جديدة بكل تأكيد ،لأنها قامت في الأساس علي فكرة تساوي جميع الأطراف المتفاوضة في الأرضية التي يقفون عليها وهي البحث عن مخرج آمن للبلد من أزمته الراهنة، وتلك واحدة من مزايا إتفاقية نيفاشا وبالأخص برتكول قسمة السلطة ، الذي قسم الوزارات إلى قطاعات (سيادية ، أمنية ، خدمية ..إلخ) ، وذلك من أجل الحفاظ على توازن الحكومة ، مما يقود لضمان التعاون بين الجميع ، وقد اعتبرت الحركة الشعبية آنذاك استفراد المؤتمر الوطني بحقيبتي الطاقة والمالية نوعا من (النيكاما) المنتهكة للبنود الصريحة لإتفاق السلام الشامل ، حيث أكدت لجموع الجنوبيين الغاضبة أنها لاتتفق مع هذا المبدأ على الإطلاق ، وهو إلتزام يجب أن يستمر في كل الأحوال ، وتحديداً حينما يتعلق الأمر بتسوية يراد منها إعادة السلام و الإستقرار لجنوب السودان من جديد وهو لم يهنأ بعد باستقلاله.
بعد بروز هذا التحفظ الحكومي الجديد ، ستكون الوساطة في موقف لاتحسد عليه ، خصوصا بعد أن باءت محاولات السودان بالفشل لإستضافة قمة الرؤساء المقبلة ، وقبلها إجتماعات وزراء خارجية الإيغاد ، بحسب تصريحات سابقة لرئيس الوفد الحكومي المفاوض توت قلواك ، وهو يعلن لوسائل الاعلام الاسبوع الماضي عن إنعقاد إجتماعات قمة رؤساء الايغاد بالعاصمة السودانية والتي ستشهد أيضا التوقيع النهائي على اتفاقية السلام في هذا الاسبوع ، وأعتقد ان تلك المحاولة السودانية تمت علي هامش قمة بكين الأخيرة التي شارك فيها معظم قادة الإقليم ، مما يعني عملياً إنتقال ملف التفاوض للعاصمة الاثيوبية اديس أبابا ،بعد ان إحتكرته الخرطوم طوال الأشهر الثلاثة المنصرمة ، وتلك تعتبر أطول جولة مباحثات بين الأطراف المتصارعة ، تبودلت فيها مقترحات عديدة للحل ، وتم خلالها تعديل الإتفاقية لمرات عديدة .
مع إنتقال ملف العملية السلمية لأديس أبابا وهي في مراحلها الختامية ، والتي تراها الخرطوم خصماً عليها بدرجة كبيرة ، بعد أن نجحت في الضغط على جماعات المعارضة بكرت الإستضافة ، في ظل التقارب الكبير بينها و الحكومة في ملفات النفط والقضايا العالقة ، وهى ميزة لن تتوافر في اجتماعات قمة الرؤساء وقبلها إجتماع وزراء خارجية الإيغاد بإثيوبيا ، فهناك تباين في مواقف الأطراف بين من يرى في الخرطوم أرض محايدة ومن ينظر إليها بإعتبارها أقرب للحكومة ، وهو نفس الشئ الذي ينطبق على أديس أبابا ، لذلك من المتوقع أن تقود مخرجات القمة حول القضايا الأربع التي رفعها أمامها أمس ، السفير إسماعيل وايس مبعوث إيغاد الخاص لجنوب السودان ، الي التباعد مجدداً في مواقف الحكومة و المعارضة ، لأنها محكومة بتحديد موقف نهائي حول تلك القضايا التي ستخضع لتفسيرات متعددة ، تنشأ عنها مواقف وتحفظات جديدة حال اعتراض أي من الطرفين على المقترح النهائي من تلك الاجتماعات ، وهي إعتراضات قد تصل مرحلة رفض التوقيع على الوثيقة النهائية لإتفاقية السلام ، وقد أعلنت المعارضة المسلحة ذلك صراحة علي لسان مناوا بيتر قاتكوث ، و الذي قال بأنهم لن يكونوا جزء من إتفاقية السلام إذا لم تناقش قمة الإيغاد ما أثارته من تحفظات سبق وان قدمتها كتابة للرئيس السوداني عمر البشير الذي وعد بتسليمها لقادة الإقليم.
إذن هناك سيناريوهات عديدة قد تتشكل على ضوء نتائج قمة رؤساء الإيغاد ، التي ستبحث بقية القضايا الخلافية ، من بينها قضية الولايات الشائكة و الحساسة لدى جميع الأطراف ، تلك القشة التي قد تقصم ظهر إتفاقية السلام إن لم تقويه مقترحات قادة الإقليم ، إذا تنازعوا نحو أهوائهم ورغبات بلدانهم ، لكن في خلاصة الأمر يجب أن تكون هناك نهاية لكل قضية ، فإذا لم تكن المقترحات ناجعة فيجب أن تقود بالضرورة إلى حلول أكثر واقعية ، فإذا فشلت الإيغاد في حمل الأطراف على إعادة السلام و الإستقرار لبلادهم فيجب عليها أن تقر بذلك علانية ، بكل وضوح وشفافية.