أى حديث عن تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة في مايو المقبل ، يعتبر في راى نوع من المغامرة غير مأمونة الجوانب ، إن لم تكن قفزا في الظلام ، فواضح ان بعض الاطراف في الحكومة و المعارضة لايزال تركيزها منصبا علي مسألة قسمة السلطة وتوزيع الحقائب الوزارية و الغنائم المرجوة من تسوية الخرطوم ، وللغرابة تجدهم يتحدثون بصوت عالي عن الالتزام بالجدول الزمني للاتفاق الذي حدد تاريخ الثاني عشر من مايو المقبل مكوعد لاعلان تشكيل الحكومة ، متغافلين بجرأة كبيرة بقية الانشطة التي وضعتها الاتفاقية في قائمة الاولويات التي تسبق تكوين الحكومة الانتقالية الجديدة .
ان مسألة تحديد عدد الولايات ، ترسيم حدود القبائل تعتبر بمثابة راس الزاوية ،فبدونها لايمكن اعلان الحكومة الجديدة ، ليس هذا فق ولكنها تمثل الاختبار الحقيقي لارادة الاطراف وجديتها في عملية اعادة السلام و الاستقرار لجنوب السودان ، فاي خطوة تقوم بها الاطراف لتكوين الحكومة دون معالجة قضية تدريب القوات المشتركة و وحل مشكلة عدد الولايات يعني ان الحكومة الانتقالية الجديدة ستكون عرضة للانهيار تحت اي لحظة ، وقد تعيد ذات سيناريو العام 2016 بحسب تصريحات هنري اودوار نائب لريس المعارضة المسلحة الموالية لريك مشار لاذاعة صوت امريكا، ولايزال المرء في حيرة من أمره حول كيف يتجرأ من نطلق عليهم صفة النخبة السياسية الي الدفع بشعبهم وبلادهم الي التهلكة ، في ظل انعدام اى خيارات اخري مستقبلية امام جنوب السودان ، اذا ما تعرض الاتفاق الحالي لاي انتكاسة مستقبلية .
لقد نأت الوساطة بنفسها عن مسالة تكوين الحكومة الجديدة ، وقالت انها قضية تخص الجنوبيين وحدهم ولا احد غيرهم ، لا احد يريد تحمل تبعات ماسينجم عن تكوين حكومة انتقالية دون ترتيبات امنية و حسم الحدود الادارية للولايات ، وكلنا يعلم طبيعة التعقيدات التي اضفاها موضوع اعلان زيادة الولايات علي المشهد السياسي و الاجتماعي بالبلاد ، لذلك من الافضل للجميع ان يتم حسمه عبر استفتاء يقره الشعب ، وان يتم حسم موضوع الحدود الادارية للقبائل بحسب خارطة العام 1965.
أرجوا ان تناقش القمة المرتقبة بين كير و البشير بالعاصمة جوبا تلك القضايا وان تضع لها المعالجات بشكل جذري ، كما اتمني ان يبحث اجتماع كير ومشار الذي سينعقد الاسبوع المقبل بالفاتيكان المسائل المرتبة بتنفيذ الجدول الزمني للاتفاقية ، وان يتوصل الرجلان لاتفاق بضرورة تاجيل تشكيل الحكومة ، ووضع تدابير جديدة لحل القضايا العالقة ، مع السعي لاستقطاب التمويل الدولي لاتفاق السلام ، لان تاجيل تكوين الحكومة والالتفات للقضايا الجوهرية من شانه ان يعزز ثقة المانحين الدوليين في الاطراف ، الذين تصفهم التقارير الدولية بالسعي لتقاسم السلطة علي حساب استقرار ورفاهية شعبهم.
لكن المهم ايضا حل الحكومة الحالية ، لعدد من الاسباب ، الاول لوقف الفساد المتسارع و الجرئ من قبل المسئولين الحكوميين الذين يخشون فقدان وظائفهم في الحكومة المقبلة بموجب قسمة السلطة التي نصت عليها اتفاقية السلام ، فالفرص باتت ضيقة امام الحكومة التي ستشارك المناصب الوزارية مع فصائل وجماعات المعارضة ، السبب الآخر هو ان حل الحكومة سيحبط خطط ومحاولات اعداء السلام الموجودين في المناصب الحكومية ، من الاستمرار في مخططاتهم التي تهدف لوأد العملية السلمية تنفيذا لاجندتهم الخاصة ، وهؤلاء لايكترثون بمستقبل البلاد كما لايهمهم حريقها حتي ، فلا ناقة ولاجمل لهم فيها ، فهي بالنسبة لهم مكان لاكتناز الاموال و الثروات وتحويلها للخارج حيث يتواجد ابنائهم في قصورهم المنيفة ، هؤلاء هم الاعداء الحقيقيون لعملية السلام ولجنوب السودان .
ولتفادي حدوث اي فراغ دستوري في البلاد يمكن للرئيس ان يقوم بتكليف وكلاء الوزارات الحاليين بتسيير دولاب العمل الحكومي ، لحين فراغ لجان الاتفاقية من عملها في تنفيذ اتفاق الترتيبات الامنية و معالجة موضوع الولايات ، وبعدها يمكن ان يتم اعلان الحكومة الانتقالية الجديدة بتوافق جميع اطراف الاتفاقية ، وخلال تلك الفترة ستكون الوساطة قد وصلت الي صيغة تفاوضية مرضية مع الجماعات غير الموقعة لتلتحق بالعملية السلمية التي ستستصحب وجهات نظرهم ومواقفهم من بعض القضايا الهامة مثل الفدرالية و الاسباب الجذرية للصراع بالبلاد.
مقالات الرأي التي تُنشر عبر موقع راديو تمازج تعبر عن آراء كُتابها وصحة أي ادعاءات هي مسؤولية المؤلف، وليست راديو تمازج