*عجيب جداً امر الاغاني المحلية التي أصبحت تملا أثير إذاعات ال(أف أم) ، خصوصاً وانها تلقى رواجاً هائلاً بغض النظر عن محتوى الأغنية. فلكل لونية غنائية، جمهورٍ مُحدّد يتفائل ويحتفي بها على نحو مختلف عن كل من يخالف طبيعة هذه اللونية، ومحتوى كلماتها وتركيبتها الموسيقية، إلى جانب الفئات العمرية التي تتذوقها. فالجيل الناشئ حالياً، ليس من النوع الذي يمكن أن يستمع إلى إيمانوئيل كيمبي أو فولينو ميساكا والقائمة هنا تطول، ولكن الأغاني التي أصبحت تتصدر الواجهة الأن، يستمع إليها الجميع بشكّلٍ عجيب لكونه في الأساس يعبر عن مدى السُخط الذي أصاب سكان البلاد من أزمات سياسية وإجتماعية وإقتصادية وثقافية بفعل عدة عوامل آبرزها كارثة الحرب التي هدمت الكثير من الاعمدة، وغيرت جزءٍ كبير من خارطة الوطن وطرائق التعاطي مع الواقع الماثل امامنا.
* تُعّد أغنية " قوندو ساكت " ، التي تتصدر قمة الأغاني في البلاد حاليا، نموذج يعبر ويجسد الكثير من الاوضاع التي آلت إليها بلادنا. فهي ليست أُغنية عادية، لكونِها تستهدف قمة الإنحطاط الأخلاقي في وقت الحرب والأزمة الإقتصادية الطاحنة، وفي ذات الوقت، تحتوي الأغنية على نموذج آخر من خِطاب أشبه بالتحريض ضد هذا الواقع. قد يختلف البعض حول التصور ويرون في تلك الأغنية، نموذجاً رائعاً لتطور الأغنية في البلاد، والدليل ان هذه الاغنية أصبحت بمثابة تعبير آخر للرافضين للتصريحات التي يطلقها المسؤوليين سواء في الحكومة او المعارضة، والدليل في هذا، إعتبار التصريحات التي أطلقها حاكم ولاية البُحيّرات الغربية السابق في معرض رده على الدوافع التي قادته الى إصدار آمرٍ بإعتقال الأمين الحاكم للحزب الحاكم في الولاية، متجاوزاً الخطوات القانونية التي يمكن أن تتخذ في مثل هذه الحال، فأصبح مجرد " قوندو ساكت " لكونه يتجاوز العرف القانون لتصفية حساباتٍ سياسية مع خصّمهِ الأول في الولاية.
*لقد أصبحت أغنية " قوندو ساكت " التي تعبر كلماتها عن الزوايا المقلوبة في البلاد، قابلة للتأويل لكون أن الاغنية تفتح الطريق واسعاً أمام أيّ شخص لتأويلها غض النظر عن نوع التأويل، كل ذلك لانها أغنية لا تذهب بعيداً عن سياق التفاعل اليومي لواقع بلادنا. فالاغنية في جنوب السودان تأسست على التعبير عن كل ما هو واقعي منذ الرعيل الاول الذي وضع اللبنات الاساسية للأغنية في بلادنا التي مرت عبر مراحل كثيرة قبل أن تصل إلى مرحلة ( " قوندو ساكت " طويل وعوير عندو في ايت وبنوم في راكوبة .. ).
الأستاذ مثيانق شريلو، هو رئيس تحرير صحيفة الموقف الناطقة بالعربية في جنوب السودان. يمكن التواصل معه عبر الإيميل mathiangcirilo@gmail.com
مقالات الرأي التي تُنشر عبر موقع راديو تمازج تعبر عن آراء كُتابها وصحة أي ادعاءات هي مسؤولية الكاتب/ة، وليست راديو تمازج