عاد إلي العاصمة في مطلع هذا الاسبوع الأول الدكتور لام أكول ، رئيس الحركة الوطنية الديمقراطية ، والذي دأب الناشطين علي مناداته بلقب (الكيماوي) وهو لقب مرتبط بدراسة الرجل وتخصصه الاكاديمي ، فالرجل الي جانب كونه موقع على إتفاق السلام تحت مظلة تحالف أحزاب المعارضة (سوا) ، فهو قد الدور المحوري في تاسيسه خلال اثناء انطلاقة اعمال منبر اعادة احياء اتفاق السلام بالعاصمة الاثيوبية اديس ابابا ، لتوحيد الموقف التفاوضي لجماعات المعارضة ، وهي خطوة ساهمت كثيرا في تقريب شقة الخلاف حول المسائل و القضايا التي كانت مطروحة للنقاش آنذاك على طاولة الوساطة ، وحددت موقفها الموحد من جملة المسائل التي بحثها منبر الإيغاد لتسوية النزاع بالبلاد ، وقد تصادف ذلك حينها مع تمسك الحكومة بأن تتفاوض المعارضة تحت مظلة واحدة وقد كان ، عليه فان عودته للعاصمة جوبا في هذا التوقيت الذي تمر فيه اتفاقية السلام بالعديد من التحديات التي تهدد بقائه واستمراره بشهادة قيادات رفيعة في الحكومة و الحزب الحاكم ، ليس بسبب نقص التمويل فقط ، ولكن للعديد من التحولات ، و الانقسامات التي تشهدها الجماعات المعارضة بصورة شبه يومية ، يعد أمراً في غاية الضرورة يجب ان يتم توظيفه لصالح دعم اتفاق السلام وتجاوز واحدة من مطباته الرئيسية وهي انقسام تحالف المعارضة.
اليوم تجئ عودة لام اكول ، الذي يحمل ايضا صفة المعارض الابرز للحكومة ، للمساهمة في تدشين الحملة القومية للسلام التي تنظمها مجموعة من الناشطات النسويات بالتعاون مع وساطة الايغاد ، للدفع بالعملية السلمية وتوعية مواطني البلاد بما نصت عليه الاتفاقية ، و ماسيعود عليهم بالفائدة من تنفيذها على الوجه الأكمل ، وهي حملة تستشعر غياب ثقة المواطن العادي في العملية السياسية في ظل تضارب تصريحات القيادات السياسية ، واستمرار ذات التكتيكات القديمة ، والتي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ، العمل الدؤوب على تقسيم مجموعات المعارضة و إضعافها من خلال المساهمة في تأجيج خلافاتها ، علاوة على استعانة الاطراف المنقسمة بالحكومة لدعم موقفها ، وقد شهدنا نماذج عديدة تنتهي بالانسلاخ الذي لاتسبقه اي مبادرات داخلية لاحتواء الخلافات و إعادة الأشياء إلى نصابها مرة أخرى،وهي مسألة مرهقة أيضا للحكومة من حيث الصرف السياسي على العائدين لحضنها ، قبل ان تجتهد لتوظيفهم في مناصب سياسية على حساب الجماعات المنضوية تحتها و المتحالفة معها سياسياً .
يعود أكول هذه المرة في أوضاع مختلفة ، فهو الان عضو في تحالف معارض منقسم على نفسه ، تتواجد مجموعة كبيرة من قيادات التيار الآخر بقيادة قبريال شانغسون بالعاصمة جوبا ، حيث يشارك البعض منهم في الهياكل واللجان و المفوضيات المعنية بتنفيذ إتفاق السلام خلال الفترة ماقبل الانتقالية ،لكن الأهم من ذلك كله هو انها كانت تشارك مع وفود مشتركة من الحكومة و المعارضة في إحتفالات السلام التي اقيمت في فشودة وبانتيو ، بدعوى ان تلك الخطوات تتم في إطار تنفيذ واحدة من إشتراطات الإتفاقية التي تدعوا الأطراف لنشرها على أنطاق وتمليكه للمواطنين ، لكن المحير في المسالة هو أن تلك الجولات تجاوزت مجموعات أخرى من جماعات المعارضة الموقعة على الاتفاق مثل مجموعة لام أكول ، على الرغم من ان الاتفاقية تحدثت عن حملة موسعة يشارك فيها جميع الأطراف ، وأن يكون ذلك تحت إشراف لجنة إدارة الفترة ماقبل الإنتقالية التي تم تكوينها بموجب نصوص الإتفاق للقيام بتلك المهمة .
حتي الآن ، تستمد اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة واطراف المعارضة في سبتمبر المنصرم ، دعمها السياسي الاساسي من التوقيعات التي مهرها بها بعض جماعات المعارضة ، والتي من بينها مجموعة أكول نفسها ، في مقابل مجموعة ثالثة من (سوا) رفضت التوقيع علي الاتفاقية و تطالب المجتمعين الاقليمي و الدولي باعادة فتحها من جديد ، ومضت الي ماهو ابعد من ذلك حينما وصفتها بانها لاتتسم بالشمول ، وانها لم تخاطب الجذور الحقيقية للأزمة التي تشهدها البلاد ، وعلي راس تلك المجموعة فصيل توماس سريلو ، حكيم داريو ، ايمانويل ابان ، الي جانب كيانات كبيرة ومؤثرة من المجتمع الدولي من بينها دول الترويكا التي وضعت مجموعة من الشروط مقابل تنفيذ تلك الاتفاقية لعدم ثقتها في الاطراف و القائمة علي خبرتها الطويلة في تقديم الدعم السياسي و المالي عبر السنوات الماضية ، فكيف يمكن المضي قدماَ في تنفيذ الاتفاق وهناك محاولات متكررة لاقصاء شخصية سياسية مثل لام أكول ، بدعوى وجود مخاوف مرتبطة بتشدده في تنفيذ بنود اتفاق السلام بحذافيرها في كل المسائل الملحة بدءاً من قضية الاصلاحات الاقتصادية و الامنية و السياسية ، وصولا لمعالجة قضية الولايات المعقدة ، وكيف سيكون شكل المخاوف اذا مانجحت تلك الجماعات بالابقاء عليه خارج العملية السياسية المقبلة ، وكيف ان هو إضطر للالتحاق بالجماعات الرافضة للتوقيع على اتفاق السلام ، تلك الجماعات التي تطالب الايغاد ، ويطالب اعضاء مجلس الدفاع المشترك بالحاقها بالعملية السلمية في أسرع فرصة ممكن .
نأمل ان تكون عودة الكيماوي بداية حقيقة لتجاوز الازمة السياسية داخل تحالف المعارضة (سوا) وان تلعب الحكومة دوراً رئيسيا في ذلك ، فهي صاحبة المصلحة الحقيقة في تلك المصالحة ، فالانقسامات ستعيق تنفيذ اتفاقية السلام ، وتعرضها للانهيار ، فوضعية البلاد ومستقبلها بات مرهونا بهذه التسوية على علاتها ، وان انهيارها يعني بكل تاكيد انهيار الاوضاع بشكل كامل في بلادنا ، كما نرجوا ان تتدخل الوساطة في هذه القضية الهامة .
حينما نتحدث عن السلام ، علينا الدفع بالتزاماته واستحقاقاته كاملة وغير مشروطة ، طالما ان الحكومة لاتزال تبحث عن اعتراف المجتمع الدولي بالعملية السلمية في جنوب السودان ، فلا يمكننا الحديث عن مرحلة جديدة وتسوية سياسية دونما فتح الفضاء واسعاً امام الحريات السياسية وحرية الراي و التعبير امام الاحزاب المعارضة وتنظيمات المجتمع المدني الحقيقية وغير المدجنة ، فالتحول لن يتم الا من خلال انتهاج اسلوب جديد في التعامل مع الفضاء السياسي العام بالبلاد .