بعد ان نجحت الثورة السودانية السلمية من الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير ، توقعت شخصيا كما توقع اخرين غيرى ان تسارع جامعة جوبا بسحب درجة الدكتوراة الفخرية التي قدمتها للرجل في مناسبة الاحتفال بتوقيع اتفاقية السلام في اكتوبر المنصرم ، باعتبار ان البشير كان يمثل راعيا لاتفاق السلام الموقع بين الاطراف ، وهذه ايضا نقطة خلافية لان الدور الذي لعبه السودان في الضغط على الاطراف لحين توقيعهم على تلك الوثيقة ، جاء في اطار جهود الايغاد وبتوصية منه كي يلعب السودان ذلك الدور تحت مظلتها ، وقد ر اينا كيف ان رعاية البشير لذلك الاتفاق كانت سببا رئيسيا لتحفظ دول الترويكا على تلك الاتفاقية باعتبار ان المفاوضات لم تتسم بالشفافية ، حيث لم تسمح لهم الحكومة السودانية بقيادة البشير بان يكونوا جزءا من العملية السلمية ، اذ ان المفاوضات كانت تتم في اكاديمية جهاز الامن .
لم تكن جامعة جوبا مضطرة لان تقوم بتلك الخطوة التي خلقت احراجا دبلوماسيا للحكومة حتي ، في ظل وجود الرئيس موسفيني الذي تتحدث عنه الاتفاقية ايضا كضامن لاتفاق السلام ، وقد ابدى الرجل تبرمه الواضح من الخطوة حينما قال بالعبارة الواضحة انه كان ليمنح الرجل درجة الدكتوراة في صناعة الحروب ، فاذا تاملنا في الاسباب و الدواعي التي تقوم على اساسها الجامعات كمؤسسات علمية مستقلة بمنح درجة الدكتوراة لوجدنا انها لاتنطبق باي حال من الأحوال علي البشير ، الذي كان الجنوب و الجنوبيين ضحيته الاولي حينما قام خلال فترة الهوس الديني في تسعينيات القرن الماضي بتحويل الحرب الاهلية السودانية الي حرب ذات طابع ديني جهادى بين المسلمين و الجنوبيين الكفار ، والذين كان يقصد بهم متمردي الحركة الشعبية آنذاك ، فاذا فات ذلك على القيادة السياسية ، فكيف يسقط كل ذلك التاريخ من ذاكرة جامعة جوبا التي كانت حصيلة اتفاق اديس ابابا للسلام ، والتي عانت كمؤسسة علمية من ممارسات حكومة البشير التي قامت بتحويل مقر الجامعة الي إمارة للمجاهدين خلال سنوات الحرب الأهلية الثانية.
الآن وبعد ان أصبح البشير وعهده جزء من الماضي ، نتوقع ان تقوم ادارة جامعة جوبا بسحب درجة الدكتوراة الفخرية التي قامت بمنحها للرئيس المخلوع ، فهي اقل شئ يمكن ان نقدمه للشعب السوداني وثرته الظافرة ، كمساهمة لتصحيح الاوضاع ومستقبل العلاقات مع السودان كشعب كان يقاوم نظام البشير وسياساته ، بينما نقوم نحن في الجنوب بتكريمه ونعتبره صاحب مسئولية اخلاقية علينا في الوقت الذي فشل فيه في القيام بتلك المسئولية مع شعبه الذي ‘هينت كرامته ايما إهانة خلال عهد الانقاذ ، ذات العهد الذي قام بتاجيج الحرب و الكراهية العرقية مع الجنوب ، وكانت سياسته المعلنة هو ان يذهب الجنوب غير مأسوفا عليه .
لا أدري من أين واتت جامعة جوبا التي تضم أرقي العقول و النخب المثقفة بالبلاد تلك الفكرة ، هل جاءت نتيجة لنقاشات داخل مجلس الجامعة ، أم انها جاءت كقرار سياسي فوقي ، فلو تريثت الجامعة قليلا وقرأت مجريات الاحوال في الساحة السياسية السودانية التي كانت الارهاصات الجنينية للثورة واضحة بدليل انطلاق شرارتها بعد شهر واحد فقط ، لما أقدمت على تلك الخطوة على الاطلاق ، لكن يبدو ان النخب السياسية عندنا لم تتعلم الدرس من تجربة نميري مع الجنوبيين بعد توقيع اتفاقية اديس ابابا التي لم تتوافر لها حاضنة من القوي الديمقراطية في السودان ، انهارت الاتفاقية دون بواكي عليها ، كما تمت الاطاحة بنظام حكمه عبر انتفاضة ابريل 1986 .
حتي حكومة البشير ذات نفسها ، والتي كانت قد قامت بمنح الرئيس الليبي المخلوع معمر القذافي درجة الدكتوراة الفخرية من جامغة الخرطوم نسبة لمساهمته في بناء قاعة محاضرات لاتزال موجودة الى الآن، وحينما انهار نظام القذافي قامت جامعة الخرطوم في عهد البشير نفسه بسحب درجة الدكتوراة التي منحتها للرجل ، وهناك سوابق اخري كثيرة من بينها سحب الجامعات المصرية بسحب درجات الدكتوراة التي كانت قد منحتها للسيدة سوزان مبارك زوجة الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك ، مما يؤكد بانها ليست درجة مرجعية.
عليه نأمل من جامعة جوبا ان تقوم بسحب درجة الدكتوراة التي منحتها للبشير ، لسببين جوهريين ، اولهما الحفاظ على سمعته الاكاديمية سيما وان سيرة الجامعة ستظل تتردد في مختلف وساط الاعلام مع سيرة البشير كرئيس اطاح به الشعب السوداني في انتفاضة سلمية لم يسبق لها مثيل ، ستردد مع حديثعه عن قتل المتظاهرين ، و ارتكاب جرائم الابادة الجماعية في دارفور ، والسبب الاخر هو ان سحب تلك الدرجة الفخرية ستكون بمثابة اعتذار لجموع الشعب السوداني الذي قدم ارتالا من الشهداء مهرا للتغيير ، خاصة وان الثورة السودانية في جميع وثائقها تتحدث عن تطوير العلاقة المستقبلية مع جنوب السودان ، ويكفي ان جنوب السودان هي الدولة الوحيدة التي ورد ذكرها في اعلان قوى الحرية و التغيير ، ويكفي ان تلك الثورة كانت ترفع صور الشهيد جون قرنق دي مبيور وتهتف باسمه .
مقالات الرأي التي تُنشر عبر موقع راديو تمازج تعبر عن آراء كُتابها وصحة أي ادعاءات هي مسؤولية المؤلف، وليست راديو تمازج