لا شك أن فتح ملف الحديث عن (العلاقات) الجنوبسودانية السودانية ،ظلت على مر الزمان مصدرا مزعجا للمنطق العلمي ومرهقا للعقل، نسبة للظروف التي تصاحب دوما طبيعة إدارتها، والتي ينبغي حسب نظريات صناعة العلاقات الدولية ومناهجها بين المكونات الدولية في البيئة الدولية.
لعل التجاور الخاص بين البلدين، بحكم الرباط الاجتماعي ،علاوة على ذلك التقارب او التطابق الوجداني متوجا بالارتباط التاريخي في مسيرة كل منهما ،تعد احدى أسباب الانشغال بمتطلبات الاستقرار بشكل او اخر بل دافعا قويا يتحتم على كل طرفٍ إحترام إرادة شعوبها في عدم سلب مسلماتها،ويكابر من يغض النظر ، بأن جنوب السودان تعد عمقا استراتيجيا للسودان والعكس صحيح ،بعيدا عن امزجة الافكار المتطرفة والتفكير العاطفي المتواضع الذي لا يخدم التقدير الصحيح، والذي دائما ما يلجأ إليه الكثير من المهتمين بالشأن العلاقاتي بين البلدين، إذ يتم تشخيصها غالبا وربطه بعوامل هامشية واسقاطات سالبة لا تمت بصلة لطبيعة العلاقة الخاصة ،والمطلوب لدى كل طرف والذي ينبغي أن تسود عمليا.
دعونا نثبت الحقيقة قبل الخوض في ثنايا الموضوع ،بأن هناك تغييرا سياسيا ما قد حدث راسيا وافقيا داخل جمهورية السودان، والاهم ان هذا التغيير لم يأت حسب رغبة حزب (المؤتمر الوطني) الحاكم في السودان ورأس الدولة ،بغض النظر عن توفر العوامل المعلومة لقيامها اصلا، بل هي نتاج انتقال وحراك شعبي رهيب يستحق الاشاده به حدث في الشارع حصد أرواح مواطنين أثناء المواجهة مع السلطة في سبيل العيش الكريم ، توجت مؤخرا بانتفاضة أبريل عملا بالذاكرة التاريخية للانتفاضة السودانية ،والتي نجحت بامتياز في خروج البشير من سدة الحكم. فبرغم أن هذا التظاهر كان في بداياتها لأسباب تتعلق بقضايا اقتصادية بالدرجة الاولى نتيجة للأوضاع المعيشية في السودان ،تطورت لاحقا الى مطالب سياسية وهذا بالطبع تعد ظروف سياسية جديدة بزغت في الافق سوف ينعكس في تفكيري على المنطقة برمتها، بمعنى أن التغيير السياسي الذي جرى في السودان بالطبع خلق واقعا سياسيا جديدا وأوجد فكرا سياسيا مغايرا حسب متطلبات الشارع العام ليس في السودان لوحده فحسب إنما على المستوى الإقليمي، برغم ذلك يصعب التكهن بمحكماتها وفقا لمكونات الواقع الاجتماعي والثقافي السوداني، ولكن لاننا نتحدث بشكل أكثر تركيزا على العلاقة بين جنوب السودان والسودان بعد خروج البشير ،لذلك في تصوري هناك مدخلا آخر ومهم لتقدير العلاقة بين البلدين وهي الشارع السياسي نظرا لمخرجات المزاج العام التي صاحبت اعتصامات الثوار وقتها من حيث الهتافات، بمعنى ان الظروف الحالية مواتية لفتح اواصر التواصل مرة اخرى بين البلدين بعيدا عن ظواهر النظام السابق وتقديره لطبيعة العلاقة التي تبدو دوما في اعتقادي تكتيكيا اكثر مما ينبغي أن تسود، إبان فترة حكم بشير والتي غالبا ما تكون مغبشة بسلبيات غيبوبة الخلاف التاريخي بين رأسي النظام في كلا البلدين ،ومن هنا يكمن السؤال ما إذا كان خروج احدى الانظمة كما الحال في السودان يمكن أن يؤثر نوعٍا ما عمليا في اعادة ترتيب اوراق العلاقة بالصورة الايجابية المطلوبة ،والتي ترتبط موضوعيا بقدرة نظام جوبا في تحريك تلك الاوراق لخدمة مصلحته سياسيا دون النظر اليها بعيون سلبية تسودها روح (التساخر) اوالكبرياء ( الشماتة) لان التجارب التاريخية قد اثبتت بان كل الانظمة السياسية تاتي اليوم لتخرج غدا لتاتي باخرى، بغض النظر عن شكلية الدخول او الخروج، وهذا واقع نعيشه في افريقيا، خاصة ان السنوات العشر الاخيرة شهدت تغييرا سياسيا دراماتيكيا في المنطقة فرضت ثقافة طرد الانظمة من الحكم، وهي بشكل او اخر احدى افرازات الفكر الديمقراطي ومتطلبات المناخ الدولي لإدارة المكونات الدولية ترسخت بحكم التبشير المستمر لثقافة الاحتكام لصوت الشارع الذي تقوده قوى الشعب على مستوى القاعدة.
لأن التغيير السياسي الذي جرى في السودان يتطلب موقفا سياسيا يترتب على ذلك إبداء المراقبة مبكرا لضمان المصالح ، في تقديري هذا ما دفع جوبا الى ضمان أهدافها بزيارة وفدا سياسيا رفيع المستوى من جوبا في الثامن عشر من ابريل 2019م بعد اثنا عشر يوما فقط من تنحي البشير،وكان على رأس الوفد مستشار الشؤون الامنية لـ "كير " السيد توت قلواك،واجتمع الوفد الزائر مع المجلس العسكري الانتقالي السوداني وهذا بالطبع يعد اعترافا ضمنيا ورسميا بالمجلس ،الذي يقوده الجنرال عبدالفتاح البرهان،اذ ناقش الطرفان قضايا متعددة أهمها الوقوف على التغيير السياسي في السودان والدور التي يمكن أن تلعبه جوبا لتفعيل ملف العلاقة بين البلدين . وأشارت التقارير إلى أن توت قد سلم خطابا للبرهاني من كير رئيس جمهورية جنوب السودان، لتأكيد دعمه للجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار السياسي في السودان، وأوضح مييك وزير مكتب الرئيس وعضو الوفد الزائر ،ان كير متمسك بالعلاقة الخاصة بين البلدين وان السودان تعد الضامن الأول لاتفاقية السلام الموقعة بين فرقاء الجنوب في أواخر عام الفين وثمانية عشرة، ومن جانبه اكدت التقارير ان وفد جوبا قد اجتمع لاحقا ايضا مع تجمع المهنيين السودانيين كقوى لا يمكن تجاوزها في مثل هذه الظروف ،وعزز من موقفهم ودورهم في إحداث نقلة نوعية في العملية السياسية في السودان.
اذا هنا علينا أن نستنتج من هذه الزيارة نقاط مهمة تماشيا مع الحراك السياسي الجاري في السودان ما إذا كان سيؤثر على تلطيف العلاقة بين البلدين لاحقا ام لا، لينعكس بدوره على كافة مناحي الحياة او خلافه، وهل لدى جوبا فكرة في كيفية ادارة الحدث التاريخي هذا،لاحداث نقلة نوعية كما دعت عبر وفدها الزائر في المرحلة القادمة بعيدا عن الافتراضات والأحوال المتوقعة ، وحالة الانتقال في الأمور بحدوث تغييرً جذريُ وشيك في السودان سياسيا على سبيل المثال ربما سيفضي الى تسليم السلطة الى اصدقاء حكومة جوبا والتي في تقديري تعد ضربا آخر يصعب تاكيده هنا ،الان برغم المؤشرات التي تؤكد وجود طفرة نوعية وانفراجة عمليا للمناخ السياسي العام في السودان ،فقد شهد افتتاح مكتب الحركة الشعبية شمال بالخرطوم المقرن يوم السبت الموافق ٢٠/ ابريل/ ٢٠١٩ م ورفع عنده علم الحركة الشعبية قطاع الشمال، ولاحقا زيارة لوفد من قيادات الحركة الشعبية عرفت بوفد النوايا الحسنة ، والذي لاحقا لم يحالفه حظ المكوث بالخرطوم لتكملة المشوار ، والتي حالت باستعادتهم إلى جوبا في ظروف قاسية.
زيارة وفد جوبا كانت مطلوبة جدا ،للاجابة على تساؤلات ومخاوف الشعب في جنوب السودان والمعارضة المسلحة حول مصير الاتفاقية الموقعة التي كان من المزمع الإعلان عن الحكومة الانتقالية للاتفاقية المنشطة في منتصف مايو السابق حسب جداول تنفيذها والتي لأسباب لوجستية وعدم التزام الطرف الحكومي فشلت وتم مد الفترة ما قبل الانتقالية لست شهور أخرى.
توالت الزيارات بين القيادة السياسية في جنوب السودان والسودان خاصة من طرف جوبا بشكل متكرر توجت بزيارة رئيس المجلس العسكري إلى جوبا يوم سبعة وعشرين من مايو ضمن جولة خارجية شملت الإمارات ومصر ،التقى اثناء الزيارة البرهاني كير وناقش الطرفان حسب افادة الاطراف القضايا ذات الاهمية المشتركة وتأكيدا لدعم المجلس العسكري لجهود عملية السلام الموقعة بين فرقاء جنوب السودان بالاضافة الى تمسك الخرطوم بالاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بينهما، وهذا بالطبع كان مطلوبا وقتها برغم قلق جوبا من التغيير الحادث في الخرطوم وما يمكن أن يترتب تبعا لذلك ، لضمان المصلحة الاحادية التي يشغل بال الحزب الحاكم في جنوب السودان آلا وهي انسياب النفط عبر السودان إلى الأسواق الدولية، فسياسي جنوب السودان لا يمكن ان يبقوا ولو لحظة دون نفط باعتبارها مصدر العيش (الكريم) لديهم، وهذا ما اكده الكباشي الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري الانتقالي السودان إذ قال إن الاحداث الجارية في السودان لن تؤثر على انسياب نفط الجنوب عبر الاراضي السودانية الى ميناء بورتسودان، ونفى الكباشي في السابع عشر من أبريل من العام الجاري ما تناقلته الصحف حول توقف انسياب صادرات نفط الجنوب عبر السودان متأثرة بالتغيير السياسي.وهذا بدوره اذا ما تعمقنا فيه نجده بشكل او اخر تؤكد (قلق) او حرص السودان استراتيجيا على مصلحته الخارجية تجاه جنوب السودان ، بل اشارة الى ان اي تغيير سياسي يحدث في السودان لن يؤثر على العلاقات الثنائية بين البلدين باعتباره خيارا استراتيجيا، لا يتضرر بتبدل اشخاص او خروج انظمة من حكم البلاد، وان مورد النفط يعد احد عناصر الدخل والدعم الاقتصادي في السودان والتي تقدر بمرور 135 الف برميل يوميا عبر انابيب البترول المملوكة للسودان وذلك بدفع قيمة الايجار اليومي حسب اتفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين التي وقعت بين الدولتين ابان فترة حكم البشير إذ تساهم بدرجة كبيرة في إنعاش خزينة السودان، ولكن بحسابات الربح والخسارة نجد ان جنوب السودان لن يستفيد من تلكم الاتفاقيات ،خاصة بند فتح المعابر الذي لم يرى النور حتى الان، واعتقد ان السبب المرجح هنا يكمن في تواضع تعاطي القيادة السياسية في جوبا مع الاتفاق نفسه وانشغالهم الشديد باتفاق (النفط) فقط دون مراجعة البنود الاخرى،وتفعيلها عمليا عبر وزارة التجارة الخارجية والاستثمار.
مبادرات جنوب السودان:
كانت عناوين مبادرات جنوب السودان تجاه السودان، مبهمه وغير واضحة المعالم ، اذا ما فككنا مكنوناتها، إذ تمييز تفاصيلها بتواضع الطرح وحالة من التردد وعدم الجدية إذا ما قورنت بجارتها إثيوبيا التي نجحت بدرجة كبيرة في تقريب وجهات النظر والتي اضفت عليها صفة الاهمية ،بزيارة أبي أحمد للسودان لانقاذ الموقف في السابع من يونيو العام الجاري، فمبادرة جنوبا تلك في تقديري تنم عن مستوى التفكير العادي الذي من اجله بنيت مبادرة جنوب السودان،دون اجراء دراسة مسبقة ومتعمقة لما يجري في السودان من جانب ، وفنيا بتكليف شخصية ليس لديها الكثير لتعطيه لرآب الصدع بين فرقاء السودان واعني هنا مستشار رئيس الجمهورية السيد توت الذي كان يقود البعثة حاملا خطاب من رئيس الجمهورية، والذي في تصوري يصلح امكانياته وكفاءاته لادارة الملفات الداخلية فقط دون الخارج ويمكن الامتثال هنا بقيادته للجنة ماقبل الانتقالية لسلام جنوب السودان، في التعامل مع اي ملف خارجي عبر مبعوث لابد أن تؤخذ على محمل الجد مع تضمين كل التناقضات الخارجية على المستوى الاقليمي والدولي التي يمكن أن تشهد تقلبا في كل رأس ساعة ، مما يتطلب ذلك مراقبة لصيقة لردود أفعال الخارجية حيال ما يجري عموما من حيث التفاصيل ومن ثم وضعها في قالبٍ علميٌ للإستفادة منها في طرح المبادرة لإحداث فعل سياسيٍ معظم بوزن يمكن الاستفادة منه لتغليب المصالح الاخرى، هذه هي النقطة التي نريدالاشارة اليها هنا بان كان هنالك خطاءاً فادحا وفنيا في تقديم المبادرة. وهذا بالطبع له إنعكاسات سلبية على مستقبل الاستقرار في العلاقة المطلوبة بين البلدين.
من ناحية اخرى يتساءل المرء عن ظروف الوسيط نفسه لإقامة المبادرة، ونشير هنا الى الواقع السياسي لنظام كير الذي تشوبه حالة من عدم المصداقية في الإقليم لادارة ملف السودان وهي تعاني بدورها من أزمات سياسية داخلية جمة بالطبع سوف يحول دون الوصول الى الاهداف المرجوة من الوسيط، وهنا مربط الفرس.
فمثلا عندما تدخلت اثيوبيا كان في بالها الدور المتعاظم في الإقليم وخبرتها في فض النزاعات بشكل مقبول خاصة مايلي النزاعات السودانية، وبجانب الاستقرار والوفاق السياسي النسبي الداخلي، علية يصبح الوسيط على أتم الاستعداد للعب دور كبير في تقريب وجهات نظر الأطراف المتنازعة، هنا نتذكر أن جوبا تواجه ازمة تنفيذ الاتفاق الأخير بين فرقائها لأسباب تتعلق بالالتزام الاداري والاخلاقي لتنفيذ الاتفاق حسب الجداول الموضوعة، لذلك تصبح ظروف الوسيط غير مقبولة وغير مشجعة لتوقيع الوساطة او خلق تأثير ايجابي على فرقاء السودان وهذه بالطبع احدى اهم اسباب فشل المبادرة.
ولكن برغم كل ذلك تظل المبادرة مدخلاً جديرا للاجابة على بعض مخاوف حكومة جنوب السودان حول اتفاقية السلام المنشطة ، بحثا عن موقف المجلس العسكري تجاه جنوب السودان بعد الاطاحة بالبشير، والتي لاعتبارات اخرى يعتقد اخرون بان الرئيس المخلوع ونظامه ،كانوا قد لعبوا دورا كبيرا في سلب الارادة الشخصية لقادة جنوب السودان مايلي مواقفهم الشخصية ، بممارسته سياسة العصا والجزرة ، أثناء فترة المفاوضات للوصول الى الاتفاقية بشكلها النهائي ، إذ أكد المراقبون أنه كان وصياً على كل المفاوضين بجانب دوره في دعم مناهضي نظام جوبا، بدليل تواجدهم بالخرطوم ، وهذه هي النقطة التي تراهن عليها جوبا وتتصور فيها انه بعد خروج البشير من سدة الحكم يمكن أن يساهم التغيير السياسي في التضييق على المعارضة في الخرطوم أو طردهم تماما، باستدراجهم للرجوع الى المربع الاول عبر التلكؤ في تنفيذ اتفاقية السلام، واعتقد ان المعارضة كان قلقا على ذلك وكان في حالة ترقب ومتابعة لطبيعة التغيير الجاري في السودان ما إذا كان سوف يؤثر أو يحافظ على مكتسباته في الاتفاقية.
ولكن كان الامر ممكنا حال وصل اصدقاء جوبا التاريخيين الى سدة الحكم في السودان، لتكتمل عندهم الصورة، كما اسلفت في بداية هذا المقال بأن هذا المنهج التقليدي من التفكير يعد ضربا بعيدا عن واقع السودان نسبة لظروف تركيبة البنية الاجتماعية والفكر السياسي المترسخ في الواقع السوداني على الاطلاق ،والذي لا يقبل أي تفكيك بدرجة ما ، تضاف إليه عامل خارجي آخر وهي ما يلي تجربة حكم الحركة الشعبية في جنوب السودان بعد حصوله على جنوب السودان يكفي لتدليل وتعريف بالمستقبل حال وصلت الى سدة الحكم في السودان، وهذا لا يعني بان الامر مستحيل استحالة تطابق الارض مع السماء ،إذا ما صاحبنا اهمية الوفاق السياسي المطلوب الان في تاريخ السودان لادارة المرحلة القادمة.
إذا هنا ما يصدع نظام جوبا ويراهن علية لضمان علاقة تكتيكية اكثر من ان تفكر في جعلها استراتيجية، وفقا للمنطق والعقل،بعيدا عن اي شوائب اخرى يمكن ان تنشغل بها جوبا .في تقديري يبدو المناخ السياسي الآن ملائماً لإقامة علاقة حسن الجوار وهذا بالطبع يعتمد وبدرجة كبيرة على موقف التحالف السياسي المتصدر للثورة السودانية في المرحلة القادمة ورؤيته حول مستقبل العلاقة مع جنوب السودان ، والتي ينبغي ان يستحضر فيها مفهوم (العلاقة الخاصة) بجانب التداخل الاجتماعي ، ضف إليها ايضاً طول الخط الحدودي بين البلدين والذي تعد مكلفا حال لم تستقر الشريط الحدودي امنيا.
إذا قوى اعلان الحرية والتغيير تقع على عاتقها مسؤولية اخلاقية لرسم سياسة واضحة تجاه جنوب السودان وفقا للمصالح السياسية وذلك عبر دبلوماسية أكثر اتزانا ، تضمن حل مرضي للطرفين حول الاستقرار الأمني بين البلدين لمراجعة الملفات العالقة مثل منطقة أبيي التي تعد أكثر القضايا حساسية ، وذلك بمراجعة معوقات المضي قدما لطي تلكم الاوراق ، بهدف تهيئة الأجواء لعقد اتفاقيات منصفة تعزز من اهمية ومكانة الدبلوماسية الشعبية ، ومن ثم فتح التجارة الحدودية المباشرة ، وعدم الاعتماد على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها النظام السابق على جوبا ، الذي في تصوري سوف ينعكس طرديا على ميزان الاقتصاد السوداني.
تخليصا لهذه القراءة المبسطة، واستصحابا لمفهوم التبادل المستقر والمنهج العقلاني التي دوما ما تؤسس بها صنع العلاقات بين الدول ، تضمينا للمصالح المتبادلة والتي يمكن الاتفاق حولها ، فاعتقد ان المرحلة تعد فرصة تاريخية أمام القيادة السياسية في كلا البلدين لبحث معوقات الماضي بجدية والإحتكام لصوت العقل القائل بأن هنالك أهمية خاصة بدرجة كبيرة لقيام علاقة جادة ، خارج صندوق عاطفة غيبوبة التاريخ الماضي عبر سعي الى صنع علاقة حسن الجوار وبحث العلاقات التجارية الممكنة بفتح التجارة البينية بعيدا عن التشاكسات السياسية التي اعتادت عليها جوبا والخرطوم سابقا، بتقديم مصلحة الشعبين في التعايش السلمي.
والاهم ان اتفاقية السلام الموقعة بين فرقاء جنوب السودان تعد دون ادنى شك مصلحة مشتركة يستوجب السودان النظر إليها بعيون استراتيجية باعتبار جنوب السودان مدخلاً لاستقرار السودان بل وحليف.
مقالات الرأي التي تُنشر عبر موقع راديو تمازج تعبر عن آراء كُتابها وصحة أي ادعاءات هي مسؤولية الكاتب/ة، وليست راديو تمازج