إن مشاركة جنوب السودان ، في أعمال المنتدي السادس للتعاون الصيني- الأفريقي ، والذي هو عبارة عن قمة تناقش فيها الصين التحديات التي تواجه البلدان الشريكة لها في القارة الافريقية ، لايحتاج لكل هذا الاجتهاد الذي يحاول معه بعض المهتمين ربطه بالتأثيرات الدبلوماسية للأزمة الراهنة التي تشهدها البلاد ، وما ألقته من ظلال سالبة على علاقتنا مع بعض الدول الغربية المهمة والمؤثرة في الساحة الدولية ، بالأخص في الجانب المتعلق بسبل حل الأزمة السياسية ، ومستلزمات التسوية الضرورية ، بالأخص مسائل الشفافية و الإصلاحات و المساءلة عن جرائم الحرب و إنتهاكات حقوق الإنسان الأخرى عبر المحكمة الهجين ، مما إستدعى العديد من الدول و البلدان الإفريقية للإستلاذة بالتنين الصيني في تقديم القروض و المساعدات التنموية غير المشروطة بأي نوع من التدخلات السياسية حسبما يعتقد الكثيرين ، مقابل الدخول في إستثمارات تحصل بموجبها بكين على الموارد الخام و الطاقة ، فمنذ مطلع تسعينيات القرن الماضي إتخذت الصين منهجا براغماتياً في تعاملها مع القارة الإفريقية ، تعامل قائم على المصالح و المنافع المتبادلة.
عليه فان الصين لم تعد في حاجة لتلك القيود الآيديولوجية التي قد تضر كثيراً بمصالحها في
إفريقيا ، لذلك تجدها من أقرب وأخلص الشركاء لحزب المؤتمر الوطني في السودان ، وليس الحزب الشيوعي السودان على سبيل المثال ، لأنها باتت محكومة بمقابلة إحتياجاتها الضرورية من الطاقة في ظل تنامي معدلات نموها السكاني بوتيرة متسارعة ، الشئ الذي جعلها تفكر في تبني سياسة إفريقيا الجديدة التي أسست بها للإنفتاح نحو بلدان القارة الغنية بالموارد الخام من الطاقة و المعادن ، وهي سياسية إتسمت في بدايتها بالنأي عن التدخل في السياسات الداخلية لتلك الدول ، لكنها سرعانما تبدلت في الآونة الأخيرة ، حيث بدأت الصين تعلب أدوار أسياسية وعسكرية تهدف من خلالها لحماية مصالحها وتعزيز نفوذها في ظل التنافس القائم بينها و الولايات المتحدة الامريكية ، وهذا افضل للقادة الافارقة الذين يريدون إستثمارات في النفط والمعادن وبقية الموارد التي تتمتع بها بلدانهم ، دون التطرق للقضايا الأخلاقية المرتبطة بالفساد ، التنمية ، الديمقراطية و الحكم الرشيد.
بالنسبة لجنوب السودان ، فإن علاقتها مع الصين لم تبدأ كسياسة مرسومة ،لكنها تحولت من خانة التعاون مع الأعداء كما كان يتم وصفها من قبل الحركة الشعبية ابان فترات تعاونها مع الحكومة السودانية لاستخراج النفط بحقول ولاية الوحدة في مطلع التسعينات ، أي قبيل التوقيع علي اتفاق السلام الشامل ، لتنتقل إلى مرحلة جديدة في العام 2008 ، بعدزيارة رئيس حكومة جنوب السودان –حينها – للعاصمة بكين ، وهي زيارة حملت رسائل مهمة جعلت الصين تسارع بفتح سفارتها بجوبا في العام التالي ، تأهبا لإنفصال جنوب السودان ومن ثم فقدان شريكها الرئيسي في السودان لـ75% من موارد الثروة النفطية التي كانت ينتجها الجنوب ، وهو تحول واجه العديد من الأزمات خاصة بعد إعلان إستقلال جنوب السودان في يوليو 2011 ، من بينها التردد الحكومي الرسمي حول تداعيات المسالة وتاثيرها علي العلاقة التي كانت تربطها مع الولايات المتحدة الامريكية ، لكن الأمر حسم لصالح إستمرار الشراكة مع الصين ، فهى كانت أكثر حوجة لبترول جنوب السودان الذي كان يمثل 5% من حاجتها اليومية.
في واقع الأمر ، تجاوزت الصين في تعاملها مع الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد مؤخراً ، الاستراتيجية المعتمدة في التعاون مع الشركاء علي مستوي القارة دون التدخل في السياسات الداخلية للدول ، وهو تطور جديد ينبغي أن نضعه في الحسبان ، فبعد قيامها بنشر قوة عسكرية بحرية لتأمين بواخرها التجارية من حملات القرصنة علي سواحل منطقة القرن الافريقي ، شاركت الصين بعدد غير محدود من القوات في بعثة حفظ السلام بجنوب السودان ، كما أنها حاولت التوسط لحل الازمة السياسية في البلاد بصورة مباشرة من خلال الدعوة لقيام منبر للحوار بين الحكومة و المعارضة المسلحة بالعاصمة السودانية الخرطوم ، متمسكة بضرورة محافظتها علي توازنها في العلاقات السياسية بين اطراف النزاع خلال الزيارة التي قام بها مسول رفيع من المعارضة المسلحة الي العاصمة بكين قبيل التوقيع علي اتفاق اغسطس 2015 ، ومن هنا يتضح أمام أي مراقب بان الأدوار التي يمكن أن تلعبها الصين تظل مربوطة بضرورة وقف الحرب و تحقيق السلام و الإستقرار في جنوب السودان ، فلا يمكن أن نتحدث عن تنمية دون تحقيق السلام ، خاصة بعد أن وجدت الصين إدانة دولية للدور الذي قامت به الصين في بداية الصراع المسلح حيث اتهمتها منظمات دولية بتوريد شحنات من الاسلحة لصالح الحكومة.
عليه فان القروض التي وقعت عليها الحكومة مع رصيفتها الصينية ، بجانب المشروعات التنموية التي قدمتها لجنوب السودان ، تمثل واحدة من أشكال التعاون التي تتطلب أن تتوصل الاطراف المتصارعة في البلاد لتسوية حقيقية ، تعيد تدفق النفط عبر الاراضي السودانية ، كضمانة حقيقية لقيام تلك المشروعات التي وعدت بها بكل تاكيد ، ولايجب ان ننسي حجم التعاون القائم بين السودان و الصين ، فالسودان هو الدليل المرشد لأفريقيا ، وهو الذي استعان ببكين لمواجهة عقوبات الغرب قبل ان تفكر الصين في إنتهاج سياسة الانفتاح التعاوني مع بقية بلدان القارة الافريقية في بداية الالفية.
ختاما ، ان رغبة التنين الصيني في الخروج نحو افريقيا كشريك جديد ، جاءت تلبية لمتطباته من المواد الخام موارد الطاقة ، لكن يبدو واضحا ان القارة الافريقية هي التي إختارت الصين من بين خيارات أخري معدودة ، وذلك لجملة من الأسباب، أوجزناها قبلاً ، فجنوب السودان دخلت في تلك العلاقة بشكل حتميلم يكن مخططاً له، لكنه آثر الاستمرار فيه في ظل توافر عدة خيارات أخرى ، لها إشتراطاتها الأخلاقية و التزاماتها السياسية بكل تاكيد ، فكيف سنوفق ياترى في مراقصة الذئب و التنين في حفل السياسة و الاقتصاد الصاخب هذا؟.