رأي : إجتماع كير– مشار بأديس هل سيفضي إلى حسم التحديات

بالطبع تكرار الأخطاء بصورتها المشهوده حاليا من تلكوء وبطءٍ عجيب بكل تأكيد سوف يُعقد من إمكانية الوصول الى مطاف لا يحمد عقباه ومقبول لدى كل أطراف الاتفاق ، مما سوف يؤجل مساعي إحداث نقلة نوعية في حياة مواطني جنوب السودان وآمالهم في تحقيق حلمهم (المستحيل)

في سبيل بحث ومتابعة العملية السلمية في جنوب السودان والوقوف على سير تنفيذ إتفاقية السلام المنشط، الموقعة في أواخر الفين وثمانية عشر،من  المتوقع ان يجتمع رئيس حكومة جنوب السودان الجنرال  سلفاكير ميارديت مع زعيم المعارضة المسلحة الدكتور رياك مشار، من الشهر الجاري في قمة خاصة جدا، يجمعهما لبحث الكثير من القضايا العالقة بينهما ، في اثيوبيا بدعوة من الوساطة الذي يقودها منظمة الإيغاد ، في مساعي جديدة لنقل ملف سلام جنوب السودان من السودان إلى إثيوبيا نتيجة للتبادل السياسي الجاري الان في الخرطوم.

تأتي هذه اللقاء بعد فشل الاطراف في إنزال الاتفاق المنشط حسب ترتيباتها المجدولة والموضوعة مسبقاً لتكملتها  في فترة ما قبل الانتقالية الاولى التي انتهت في الثاني عشر من مايو المنصرم  دون نتائج ملموسة، والتي دعت فيها الإيغاد لعقد جولة بحثية باديس في مطلع مايو الماضي ، أفضت الى اتفاق جديد يقضي بمد فترة ما قبل الانتقالية لعدد ستة اشهر اخرى لتنتهي في نوفمبر القادم من العام الجاري.

بالطبع تكرار الأخطاء بصورتها المشهوده حاليا من تلكوء وبطءٍ عجيب  بكل تأكيد سوف يُعقد من إمكانية الوصول الى مطاف لا يحمد عقباه ومقبول لدى كل أطراف الاتفاق ، مما سوف يؤجل مساعي إحداث نقلة نوعية في حياة مواطني جنوب السودان وآمالهم في تحقيق حلمهم (المستحيل) ، نحو السلام الحقيقي وذلك بإستمرارية (كُوبسة) حياتهم دون إحراز اي نشاط إيجابي يذكر على الأرض .وهذا نقطة ينبغي أن تلتفت إليه  جميع الأطراف المكونة للاتفاقية  خاصة الطرف الحكومي التي اظهر بشكل أو آخر عدم جديتها في قراءة بنود الاتفاق ورسمها على ارض الواقع، لان تقع على عاتقها المسؤولية الأخلاقية قبل شركائه.

فـ القمة المرتقبة بين الطرفين تعد فرصة ثمينة للمَلمَة أطراف ما تبقى من بنود فترة ما قبل الانتقالية  كدليل تأكيد الالتزام برغم حجم التحديات الماثلة  لتجاوزها . فالعيون سوف تكون شاخصة ومراقبة لمخرجات القمة الخاصة، برغم التقارير التي أظهرت الرفض المتبادل بين الطرف الحكومي او بالاحرى الرئيس كير المغادرة الى اديس للقاء مشار ، والذي كان يفضل عقد الجلسة في جوبا بدلا من اديس والتي  لاقت  ايضا وفي المقابل بالرفض من طرف الدكتور رياك مشار،  متحججا بأن البند الخاص بالترتيبات الامنية لم تسلم بنودها من شوائب التنفيذ الخالص ، والتي يعتبرها حركة مشار بل المعارضة المسلحة كلها الضمان المثالي لعودتهم الى جوبا وهذا في تقديري احتياطا امنيا ، وموقفا منطقيا تتعلق بالترتيب الطبيعي لتنفيذ بنود الاتفاقية.

على نفس المنهاج  يبدو أن هنالك تفاهمات جرت بحكم دور الوساطة وافضت الى قبول الأطراف لعقد القمة في أديس ، ونلاحظ أن زعيم المعارضة المسلحة الدكتور رياك مشار قد سبق الى اديس في الحادي وعشرون من الشهر الجاري بعد موافقة بالخرطوم وإثيوبيا لسماحة بالسفر مما أتاح له عقد اجتماعات عديدة مع شخصيات نافذة في مؤسسات فاعلة في المنطقة وناشطة ومؤثرة   في ملف سلام جنوب السودان ، ومن جانب الحكومي تأكد قبول الرئيس كير لقاء شريكه ونائبه المرتقب ، برغم تصريح سابق منسوب للناطق الرسمي باسم الحكومة على أن كير ليس لدي اي خطه للقاء مشار.

الاسئلة الطبيعية المتوقعة لدى أي شخص متابع ،في مخيلة لن يخرج من دائرة التوقعات ما بعد اجتماع الطرفان ما إذا كان سيفضي الى نتائج مرضية لهم أم لا ،برغم من حجم  ملفات الشائكة التي سوف تتصدر نقاش (كير – مشار)  اهمها وابرزها ، الوقوف على  اتفاقية الترتيبات الامنية ومدى إيفاء الطرف الحكومي بوعودها في دعم ترتيبات ما قبل الانتقالية الممدده حسب اتفاق مايو بفندق (كابيتل) بإثيوبيا والذي سبق ان وعدت بتوفير مبلغ مئة مليون دولار أمريكي لتسهيل العمليات الادارية لتفعيل لجان العمل الخاصة بالترتيبات الامنية منها ما يلي نقاط تجمع القوات بغرض التدريب والدمج ، والتي يبدو انها فشلت بنسبة تفوق المائتين بالمائة حسب الشواهد على أرض الواقع رغم الاستقرار النسبي عدا مناطق الاستوائية التي تشهد بعض المعارك بين قوات الحكومة وقوات التابعة لجبهة الخلاص الذي يقوده الجنرال توماس سريلو. فإن الترتيبات الامنية تعد (كرت ضمان) بقاء الاتفاقية المنشطة التي سوف تهدد إنهيار او عدم إنهيار الاتفاقية (المنشطة) وهذا النقطة بذات يتطلب من كل الاطراف النظر إليه بمسؤولية وإفراد مساحة للبت فيها والوصول إلى تفاهمات مقبوله  إذا اعتمدت على (الونسة) خارج الصندوق ، لا سيما إن ارادت الطرفان الرئيسيتين المضي قدما في تنفيذها بتقديم تنازلات مسؤولة عنوانها (الوطن) وروحها (الشعب) إنقاذا للمواطن الذي يعيش حالة مزرية وقاسية في الداخل ومناطق لجوئهم.

اما النقطة الاخرى والتي في تقديري سوف يكون حجر عثرة سوف يربك ثقة الطرفان اثناء النقاش وربما طلب وسيط لتقريب وجهات النظر وهي مايلي مخرجات اللجنة الخاصة لمراجعة حدود الولايات التي خلص من عملها ورفع تقريرها النهائي الى طرفي النزاع الاساسيتين للبت فيها باعتبارها لجنة تقصي وبحث وليس لحسم أمر الولايات ، برغم التوصيات التي تقدموا بها والتحليل الوافي لمخرجات بحوثهم واعتمادهم على دراسات مضنية اخذت طابعا اكاديميا وليست على أساس المواقف السياسية التكتيكية التي وقعت في فخها بعض المجموعات المحسوبة للمعسكر الحكومي، بتقديم المصلحة العامة دون السياسة الخالصة ، والتي على مايبدو أجمعت على تذكية خيار الـ (عشرة) ولايات ، وهذا في تقديري موقفا تستحق الاشادة به، إذ تعد اللجنة الاولى التي أكملت عملها مقارنة بالاخرى التي واجهت بعض التحديات وبطء التنفيذ، فهذه النقطة في تصوري سوف يأخذ حيزا من النقاش لإقرار النتيجة النهائية والتي تعد بندا اخر سيضع الاتفاق المنشط على حافة الهاوية إذا لم يعتمد الطرفان على توصيات اللجنة الخاصة بالحدود، واختاروا النقاش حولها مرة اخرى، وخاصة إذا ما تشدد الطرف الحكومي وتمسك بخيار الاستمرار والمضي قدما في التعنت لتوقيع موقفه الرامي لإبقاء على عدد الولايات الحالية ، ولكن أيضا هذا النقطة في اعتقادي بالذات سوف تعتمد على امرين اساسيتين، آلا وهو مدى تفهم الحكومة وشخصية كير كرئيس دولة في فشل فكرة زيادة عدد الولايات مصاحباً التحديات التي لاقتتها منذ إعلان تلك الولايات ، ضف إليها قدرة الحركة الشعبية كتنظيم حاكم على مراجعة مبداءها حول فكرة توسيع الولايات على اساس إنها رؤية تنظيمية في (نقل السلطة الى الريف) والتي في تقديري عقدت من هيكلة الدولة في تسهيل الادارة ومحاربة (الفساد) من ناحية اخرى بتوسيع قاعدة السلطة بدلا من توقيع خدمات حقيقية ، ربما لعدم تمثيل افراد متفهمون للفكرة نفسه، إذ ان تفَهم هذه النقطة  عمليا سيفتح دون ادنى شك افاقاً جديدة ، لإدارة عملية الحرب والسلام في جنوب السودان ، وبدورها سوف تؤثر على تسهيل سيرورة  وتسهيل ملفات اخرى شائكة  . ومن ناحية اخرى وارى من المهم عدم تفويتها هنا لأنه تعد فكرة راسخة لأسباب متعلقة بسوء فهم لقضية الخلاف السياسي بين الأطراف، إذا ما اعتبرنا أن الخلاف في الأصل نتيجة التقاطعات مبنية على (كيفية) إدارة الدولة وليست إنتصار منْ على مْن ، فمثلا إذا أعتمد توصية عشرة ولايات هذا لا يعني البتة هزيمة نكرا على رؤية الحكومة  ، بالطبع لا والف لا! ، لذلك اللقاء المرتقب بين الطرفين تتصف بالضروري  وتتميز بالحساسية يتطلب منهما تقديم تنازلات حقيقية وبتجرد خالص على أساس الإرادة الوطنية لطيْ صفحات التنازع السياسي وارتقاء الى مرحلة الوفاق السياسي لبناء مجتمع ديمقراطي عنوانها التنمية ، لاستئصال وباء القبلية المستشرية من جذورها، فالسلام الحالي ربما يكون فرصة لا يمكن التعويض عنها البتة في المستقبل القريب إذا أراد الحركة الشعبية الحاكمة نبذ صفحاتها السوداء طوال فترات حكمه المتواضع بعد تسليمها مقاليد الحكم في جنوب السودان باعتماده نظريات غريبة في إدارة مؤسسات الدولة والتي صاحبتها حالة التخوين والتخوين المضاد لرفاق النضال الطويل  بتوجيه سهام القتال لبعضهم البعض دفعت ثمنها المواطن وجنت ثمار التشرد واللجوء في المهجر، وحالة من العزلة  الاختيارية محليا وخارجيا.

لذلك رغم التحدي الماثل الان فإن البلاد والمواطن في أمس حاجة اليوم قبل غدا لحسم الخلافات وتجاوز التحدي بمسؤلية تفاديا لأي (تمديدات) أخرى حال فشل الاطراف في  حسم بنود وترتيبات ما قبل الانتقالية لاتفاقية السلام المنشطة التي ربما لن يقبل أي (تنشيط) مرة اخرى والوصول الى نهايتها ويتوج بتشكيل حكومة إنتقالية تجرى في نهايتها إنتخابات لإختيار إرادة جديدة لقيادة البلاد ،  فالسلامُ لا يعنى الهزيمة بل تعد انتصارا للإرادة السياسية.


 مقالات الرأي التي تُنشر عبر موقع راديو تمازج تعبر عن آراء كُتابها وصحة أي ادعاءات هي مسؤولية الكاتب/ة، وليست راديو تمازج