لا حول ولا قوة الا بالله وانا لله وانا اليه راجعون
دكتور الواثق كمير
سمعت بخبر وفاة دينق قوج للتو. اعتصر قلبي الحزن وطفرت دمعتي.
عرفت دينق قوج وترافقنا على درب الحركة الشعبية لتحرير السودان، وعلى هدى رؤية الزعيم جون قرنق.
تعرفت على دينق ربما في أهم اجتماع تم للحركة بعد التوقيع على *اتفاقية السلام الشامل*، في 9 يناير 2005 بنيروبي، حتى شاركنا سويا في العديد من المناشط لاحقا. فقد كان أول لقاء في ورشة عمل دعا لها رئيس الحركة في “نيوسايت”، مقر قيادة الجيش الشعبي بشرق الإستوائيَّة. كانت الورشة خاصة بوفد المُقدِّمة، الذي سيذهب إلى الخُرطوم للقيام بالترتيب لقدوم زعيم الحركة للخُرطوم، على أن يناقش هذا الأمر ضمن مداولات الورشة، وذلك في الفترة بين 26-29 مارس 2005.
وقد كان من الأهداف الرئيسئة لبعثة المُقدِّمة هو “تعزيز وتأسيس وجود فعَّال للحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان في جميع أنحاء السُّودان”. خضع هذا الهدف، إلى جانب الأهداف المُحدَّدة الأخرى، والأنشطة المقترحة اللازمة لتحقيقها، إلى مُداولاتٍ مُطوَّلة ومكثفة في الجلسات العامَّة وجلسات مجموعات العمل في ورشة العمل. ومع ذلك، فقد جرت جميع المُناقشات حول هذه القضيَّة على خلفيَّة “متلازمة الفصائل” في الحركة الشعبيَّة والانقسامات الناتجة داخل مكاتب الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان المُنشأة حديثاً في الخُرطوم. فقد بعث رئيس الحركة الشعبيَّة بوفد مُقدِّمة الخُرطوم في أوَّل نوفمبر – بداية ديسمبر 2004، عندما بات التوقيع على اتفاقيَّة السَّلام الشامل وشيكاً، برئاسة القائد باقان أموم، والقائد ياسر عرمان نائباً له. اختلف القائدان في الرُّؤية وتنازعا على أسلوب تأسيس الحركة الشعبيَّة في سياق انتقالها إلى العمل السياسي المدني، حتى أصبح لكُلٍ منهُما مجموعة تقف خلفه. انشغلت أذهان المُشاركين في ورشة العمل بالصِّراع السَّافر بين المجموعتين، والعواقب الوخيمة التي قد تترتب على تحقيق مهام الوفد إذا لم يتم حلَّ هذا النزاع قبل المغادرة إلى الخُرطوم. لذلك، شكَّل رئيس الحركة لجنة خاصة برئاسة الأمين العام للحركة “جيمس واني إيقا” للتحقيق في الأمر، بهدف تقديم المشورة بشأن طرق ووسائل معالجة هذا النزاع. تمكَّنت اللجنة من تسوية المشكلة أخيرًا وتمَّ إبلاغ توصياتها إلى الجلسة العامة النهائيَّة لورشة العمل، واعتمدها الدكتور جون قرنق رئيس الحركة، بعد أن دعا قرار اللجنة إلى إعادة هيكلة وإعادة تنظيم مكتبي الفصيلين في مكتبٍ واحد يتبع التوجيهات التنظيميَّة للحركة الشعبيَّة بموجب تفويض من الأمين العام.
وقد كان دينق قوج هو الذي يتزعم أحد الفصيلين المتنازعين، بينما قاد الفصيل الآخر رمضان محمد عبد الله (نائب وزير خارجية جنوب السودان الحالي).
وعليه، فأوَّل قرار مِفصليٍّ اتخذه رئيس الحركة الشعبيَّة، خلال الأيام القلائل التي قضاها في الخُرطوم، أن تنتظم الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان هيكلياً في قطاعين: قطاع الجنوب، ويضُمُّ الولايات الجنوبيَّة إضافة الى المناطق “الإنتقاليَّة” الثلاث، (جنوب كُردُفان والنيل الأزرق وأبيي)، وقطاع الشمال الذي يضُمُّ ولايات الشمال الثماني عشر.
وعلى إثر هذا القرار،أصدر د. جون قرنق دي مبيور، بنهاية الأسبوع الأوَّل من يوليو 2005، قراراً يقضي بتعيين الكوماندر عبدالعزيز آدم الحلو ليكون رئيساً للجنة مُشكلة من أربعة وعشرين عضواً لتتولى أمر تنظيم الحركة في شمال السُّودان. بالطبع كان دينق قوج أحد أعضاء هذه اللجنة، والتي ضمَّت: ياسر جعفر، محمَّد أحمد الحبُّوب، رمضان حسن نمر، محمَّد سعيد بازرعة، وليد حامد، الطاهر إدريس، عبدالباقي مختار، حمَّاد آدم، ملونق مجوك، رمضان محمَّد عبدالله، جيمس مودي، كيجي رومان، إلهام مالك، أويل ميون، ريجينا رتشارد، ين ماثيو، اشاي دينق، اقوك ماكور، عُمر فور، سليمان قور، أبولو ايول، اغوستينو مدوت. وفي سياق تطوير الهياكل التنظيمة للحركة، تم تأسيس “مجلس التحرير القومي الاتتقالي”، الذي تزاملت في عضويته مع الرفيق الراحل دينق قوج.
ثم تم انفصال جنوب السودان بموجب أحكام الإستفتاء على حقق تقرير المصير، فتعدلت تركيبة مجلس التحرير وأصبح بمثابة “المجلس التشريعي القومي”، بينما ظل دينق قوج محتفظاً بموقعه حتى لحظة وفاته، بالرغم من حل المجلس واعادة تشكيله وفقاً لإتفاقية تسوية النزاع المنشطة لعام 2018.
لم التق دينق منذ ذلك الحين، ولكن ظللت أتواصل معه وأوجه له الأسئلة حول ما يدور في الجنوب والتي لم يبخل بالإجابة عليها وتزويدي بالمعلومات والتحليل السياسي الموضوعي. ليس ذلك فحسب، فقد كان دينق قوج حافظاً على الرفقة وأهدفنا المشتركة في التغيير وتأسيس السودان الجدبد مهما طال الوقت وتباعدت المسافات بيننا.
فكنت قد علمت من الصديق مثيانق شيريلو أن دينق قد أسس دار للنشر باللغتين الإنجليزية والعربية في جوبا (رفيقي للطباعة والنشر)، بينما كنت وقتها أنشر على صفحتي بالفيس بوك حلقات لمشروع كتاب كنت أعد لنشره تحت عنوان (*رِحْلتي مع مَنصُور خَالِدْ: الخُروج من الذات لمُلاقاة الآخر…جون قرنق والبَحْث عَن السَّلام والوُحدَة*)
أبلغني مثيانق أنه سيتحدث معه بخصوص مسودة الكتاب، والذي لم يُنشر باللغة العربية إلا في النصف الثاني من سبتمبر 2021.
ففي 8 مايو 2021، فاجأني دينق بمكالمة هاتفية ورسالة على الواتساب طلب مني فيها أن أقبل عرضه بترجمة الكتاب بعد صدوره، وعلى حدِ تعبيره “*كلمني مثيانق عن موضوع الكتاب..وده تشرف لنا شديد ومستعد للترجمة ونشر الكتاب في أسرع وقت بصورة تليق بمقامكم وأهمية الكتاب.*”. وهذا ما فعله دينق وأوفى بوعده وعهده. فقام بتكليف غبريال جوزيف شدر بالترجمة، وبتصميم الغلافين الأمامي والخلفي، حتى أصدرت دار رفيقي للطباعة والنشر النسخة الإنجليزية من الكتاب في 22 أبريل 2022، الذكرى الثانية لرحيل د. منصور خالد.
(*My Journey with Mansour Khalid: Self-transcendence to Embrace Divesity…John Garang and the Search for Peace and Unity*)
رحم الله Honorable دينق قوج وتقبله قبولا حسنا واسكنه فسيح جناته.
التعازي الحارة لأسرة دينق الصغيرة وعائلته الممتدة وجميع اهله وعشيرته، ولحكومة جنوب السودان والمجلس التشريعي وكل شعب الجنوب.
دينق قوج فقد عظيم في وقت عصيب تحتاج فيه البلاد إلى مساهمته ومنافحته ومثابرته في الخروج من عنق الزجاجة.
الدوام لله والبقاء له وحده..