أفادت مصادر مطلعة راديو تمازج في تقرير خاص اليوم، أن حكومة جنوب السودان دفعت 161 مليون دولار على الأقل لشركة انشاءات خاصة مرتبطة بالرئيس سلفا كير. ومن غير الواضح ما إذا كان كير قد أعلن مطلقا عن ارتباطه بالشركة لمفوضية محاربة الفساد كما هو منصوص عليه بموجب القانون.
وشيدت الشركة التايلاندية للانشاءات المحدودة (ABMC) طرق رئيسية بالعاصمة القومية لجنوب السودان جوبا بموجب عقود مع وزارة الطرق والجسور القومية.
ونفى المتحدث باسم الرئيس كير، اتينج ويك صراحة وجود أي علاقة بين كير وشركة (ABMC)، زاعما أن الرئيس كير لا يملك حسابا مصرفيا شخصيا حتى، دعك من امتلاك اسهم في شركة ما.
ومع ذلك، كشفت مصادر حكومية ومصادر من الشركة أن كير وابنه مانوت وسكرتيره السابق أكوت لوال كلهم على ارتباط بشركة (ABMC) على الرغم من الحظر الدستوري الذي يمنع أي مسؤول رفيع من “ممارسة أي اعمال تجارية” أو كسب المال من خارج الحكومة.
وخلال تحقيق صحفي أجراه (راديو تمازج) على مدى أكثر من شهر، أكدت مصادر داخلية ارتباط كير بشركة (ABMC). على الرغم من أنهم لم يتمكنوا من تقديم أدلة وثائقية دقيقة حول طبيعية ارتباط كير بالشركة، في حين أكدت مصادر متعددة وجود علاقة نفعية.
ووفقا لمصدر مقرب من مدير الشركة، فإن (ABMC) تدير مشروعا زراعيا في مزرعة خاصة بالرئيس كير في منطقة لوري بولاية الاستوائية الوسطى. وهذه المبادرة تديرها شركة (ABMC) عبر شركة تابعة لها وهي “غاردن أوف ادن” التي تصفها في علاماتها الترويجية بـ”الشركة الشقيقة” ومشروع اطلقته (ABMC).
وقال المصدر: “ان كير لديه الآن مزرعة في لوري تتم ادارتها بواسطة شركة (ABMC)”.
ودافع المصدر عن المبادرة قائلا ان المشروع في مزرعة الرئيس عبارة عن “مساهمة متواضعة لبناء الأمة”، والتي من شأنها أن تساعد على التقليل من اعتماد البلاد على الواردات الغذائية.
ونفى المتحدث باسم كير وجود هذه العلاقة، واستدرك قائلا ان الرئيس أبقى فقط على الماشية في لوري.
وقال: “لا يملك الرئيس أي مشروع في لوري، ولكن كان له أبقار في لوري تم ترحيلها إلى بحر الغزال، وليس هنالك أي شئ تبقى”.
ملكية الشركة
قالت مصادر أخرى أن علاقة الرئيس سلفا كير بشركة (ABMC) تمتد إلى أبعد من مجرد المزرعة وقالوا أن كير هو صاحب السهم الأكبر في الشركة. وأشارت المصادر إلى أن هذه الأسهم تتم ادارتها عن طريق “وكيل” مما يعني أن حصة ملكيته ربما تكون مخبأة باسم أحد المقربين له.
وقال اتينج ويك في رده على سؤال حول ما إذا كان كير أو أي من أقاربه له أسهم في شركة (ABMC)، أن الشركة “تتبع لشخص يدعى بنجامين بول ميل” وهو رئيسها وأن الرئيس كير ليست له أي علاقة بشركة (ABMC).
وقال مسؤول سابق بشركة (ABMC) ردا على سؤال حول علاقة كير بالشركة، قال أنه لم ير أي وثيقة تربط الرئيس رسميا بالشركة ولكن تصرفاته بشأن المسائل المتعلقة بالعقود علامة واضحة على تورطه، في اشارة منه إلى سلوكه بشأن العقود الحكومية التي منحت للشركة. وقال المسؤول أنه يعتقد أن كير هو المساهم الأكبر في الشركة.
وأشارت مصادر متعددة بما في ذلك كبار مسؤولي الشركة السابقين ومصادر حكومية أخرى إلى الدور الذي لعبه سكرتير الرئيس السابق أكوت لوال ونجل الرئيس مانوت، قائلين انهم شاركوا في تأمين العقود الحكومية نيابة عن الشركة.
ومضت إلى أبعد من ذلك بالقول أن الشركة شيدت منزلا لأكوت لوال في حي الجبل بجوبا ومسؤولين حكوميين أخرين. وفي اتصال هاتفي نفى أكوت لوال أي علاقة له بشركة (ABMC).
الازدهار والكساد
دفعت حكومة جنوب السودان الملايين لشركة (ABMC) مقابل أعمال الطرق في جوبا. على الرغم من أن القيمة الإجمالية للعقودات الحكومية التي منحت للشركة غير معروفة، وكشفت مواد ترويجية نشرتها الشركة في عام 2012 أن الشركة قامت بتشييد 55 ميل من الطرق الداخلية في جوبا تبلغ قيمتها أكثر من 60 مليون دولار، علاوة على الطرق المؤدية إلى بلفام وقوديلي ومونكي مما يجعل القيمة الإجمالية 161 مليون دولار على الأقل.
ولدى شركة (ABMC) مكاتب ومرافق في جوبا ولوري بولاية الاستوائية الوسطى ويعمل فيها موظفين من جنوب السودان وتايلاند. وقد تأسست الشركة بعد عدة سنوات من التوقيع على اتفاق السلام الشامل أي ما بين عامي 2007 و2008 بحسب بيانات نشرتها الشركة نفسها.
وفي بدايات عمل الشركة في سنواتها الأولى، كانت الحكومة تجني المليارات من عائدات النفط وتنفق مبالغ ضخمة على بناء الطرق. وفي تقرير عن البنية التحتية في جنوب السودان، يقدر البنك الافريقي للتنمية أن الحكومة انفقت حوالي 165 مليون دولار سنويا لبناء الطرق خلال عامي 2009 و2010، في حين كان التمويل السنوي من الجهات المانحة لبرامج الطرق حوالي 85 مليون دولار.
وقال رئيس شركة (ABMC) بنجامين بول ميل إن الشركة شهدت “نموا هائلا” بين عامي 2010 و 2012، وقفا لما نقلته نشرات الشركة الترويجية. وأوضح أن الشركة توجه ابصارها تجاه مشروع مشترك حجمه 3,3 مليار دولار لبناء طرق سريعة مؤدية إلى الحدود مع دولة أثيوبيا.
وقال: “نحن الآن نحقق مكاسب ضخمة ونهدف حول الخروج من جوبا وتشييد الطرق السريعة”.
لم يكن هذا الهدف ليتحقق حيث اوقفت حكومة جنوب السودان إنتاجها من النفط في يناير 2012 خلال النزاع مع دولة السودان المجاور بسبب رسوم عبور النفط عبر خطوط الأنابيب. وواصلت الحكومة الإنفاق على مشاريع الطرق ذات ‘الأولوية’ خلال عام 2012، واقترضت بشكل كبير.
ولكن في نهاية المطاف اثرت خسارة الحكومة لإيرادت النفط على الإنفاق على القطاع العام وشركة (ABMC). وناضلت الشركة بجهد من أجل دفع رواتب موظفيها في جنوب السودان في منتصف عام 2013.
ووفقا لمنشورات الشركة على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، لم يحصل الموظفين على رواتبهم لعدة شهور ولكن تلقوا رواتبهم في سبتمر 2013. وكتب مدير الصفحة على الفيسبوك في 2013 أن الشركة كانت تعانى من صعوبات ولكنها “تتعافى”.
وأدى اندلاع الحرب في ديسمبر إلى المزيد من الشلل في تمويل مشاريع القطاع العام مع تراجع عائدات النفط وارتفاع الإنفاق على الدفاع.
الفشل في الإعلان عن الأصول والدخل
ينص قانون مفوضية محاربة الفساد لسنة 2009 والدستور الانتقالي لسنة 2011 على أن كبار المسؤولين الحكوميين بمن فيهم الرئيس ينبغي عليهم الاعلان بشكل سري عن دخلهم وأصولهم وتلك التي يمتلكها زوجاتهم وابناءهم.
ويحتوي هذا القانون على عدة مواد منها حظر أي مسؤول رفيع من ممارسة المحسوبية تجاه الشركات التي يمتلكها هو أو عائلته.
ووفقا لقانون 2009، يُطلب من كبار موظفي الخدمة المدنية للإعلان عن هذه الثروة الرسمية سنويا. وأن يتم تسليم هذه السجلات إلى مفوضية محاربة الفساد قبل نهاية شهر فبراير من كل عام.
ويحظر دستور جنوب السودان كذلك الرئيس من عقد صفقات تجارية أو قبول أي دخل من أي مصدر آخر غير الحكومة الوطنية خلال فترة ولايته.
في مقابلة مع (راديو تمازج) قال السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية أتينج ويك أن الرئيس أخر مرة أعلن فيها الرئيس كير عن أصوله ودخله لمفوضية محاربة الفساد كان في عام 2012. وإذا كان هذا صحيحا، فإن هذا يعني أن الرئيس لم يعلن عن ممتلكاته ودخله للمفوضية في السنوات الثلاث الماضية.
لكن أتينج شدد على أن شيئا لم يتغير منذ عام 2012، وأن الرئيس ليس له أي شيء آخر ليعلن عنه.
وقال: “الرئيس لم يتدخل في أي عقود أو أسهم”. مضيفا أن كير لا يملك حسابا مصرفيا داخل جنوب السودان أو خارجه حتى.
وعند سؤاله للرد على المعلومات التي تقول أن نجل الرئيس وسكرتيره السابق أكوت لوال قد شاركا في تأمين عقود نيابة عن شركة (ABMC)، نفى أتينج هذه المعلومات وقال انها مجرد “شائعات” تهدف إلى تشويه سمعة الرئيس.
ورفض أتينج الإدلاء بمزيد من التفاصيل حول مزاعم علاقة أكوت لوال الوثيقة بشركة (ABMC)، قائلا: “أنا لا أعرف أكوت لوال ولست في وضع يسمح لي بالتحدث نيابة عنه”.
وأضاف: “أنا المتحدث باسم رئاسة الجمهورية وأكوت لوال هو مجرد مواطن، لذلك هذا ليس من شأني ولا من شأنكم كصحفيين”.