يشهد جنوب السودان أزمة اقتصادية صعبة، أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، مع انخفاض قيمة العملة المحلية “الجنيه” أمام العملات الأجنبية، وسط مستوى فقر مدقع، بجانب عجز الحكومة عن دفع رواتب العاملين في الدولة لقرابة عشرة أشهر.
يعتمد اقتصاد جنوب السودان بصورة كبيرة على عائدات النفط، مع الحرب في السودان أثرت اقتصاد البلاد نتيجة لتوقف صادر النفط عبر السودان إلى الأسواق العالمية، إضافة إلى أن الفساد المستشري وسوء الإدارة الحكومية ساهموا في تدهور الوضع الاقتصادي وزيادة الفقر.
حتى المياه يناضلون من أجله
في استطلاع لراديو تمازج بالعاصمة جوبا، قال السكان أن أصبح من الصعب عليهم تدبير متطلبات المعيشة اليومية.
وقال المواطن إيدوين فيتيا جون، بحي قوديلي، إن الحياة اليومية في جوبا يتطلب المال للتنقل، وأن مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية أصبح من الصعب عليه دفع رسوم المدرسة لأطفاله، وزاد إنه كان يتوقع أن يتحسن الوضع المعيشي، لكن تزداد سواء.
وشكت مواطنة رفضت الكشف عن هويتها من الحي نفسها، أنهم يكافحون من أجل الحصول على المياه قائلة “الجيران يأتي ليطلب منك المياه، وهذا أصبح أمراً عادياً”.
سيدات الأعمال نفقد الزبائن يوميا
في جوبا يشكو سيدات الأعمال الصغيرة أيضا من الضائقة الاقتصادية. وقالت أسونتا كيلاه، بائعة العصير، التي اضطرت إلى البدء في رعاية أشقائها الأصغر سنا بعد وفاة والدتهم، إنه على الرغم من بذل قصارى جهدها، فإن التكلفة العالية لمعدات العمل وتراجع أعداد الزبائن أدت إلى انخفاض عائدات المالية.
وقالت إن الحياة أصبحت صعبة وأحيانا ينتهي اليوم، دون أن يشتري أحد منها، مشيرة إلى أن من الصعب مواكبة الأزمة الاقتصادية في جوبا مع التغييرات، وصعبة للغاية توفير تكاليف الطعام يوميا. وذكرت أنها تكافح يوميا لتوفير الطعام والبقاء على قيد الحياة.
وقالت صاحبة مطعم، تدعى تيدي، إن هناك تراجعاً كبيراً لزبائنها بسبب الأزمة الاقتصادية، التي أثرت في ارتفاع أسعار السلع الأساسية حسب حديثها. مبينة أنها تعتمد على العمل لإطعام أطفالها الخمسة، وأن مع الظروف الحالية أصبحت من الصعب عليها إرسالهم إلى المدرسة.
البطالة وفرص البقاء على قيد الحياة
يقول الشاب فول موسس، إنه يكافح من أجل إيجاد عمل مستقر في جوبا، وأن نتيجة لإحباطات المستمرة، فإنه مستعد للقيام بأي عمل. قائلا “نحن بحاجة إلى أنشطة مدرة للدخل للشباب، ويمكن لبرامج التمكين أن تحدث فرقا كبيراً بالنسبة لنا، ويجب أن تكون هناك فرص تعليمية تسمح لنا بتطوير المهارات وتحسين حياتنا”.
ويشير إلى أن العديد من الشباب اتجهوا إلى العمل في الأعمال الحرة “يوميات” مثل البناء وقيادة الدراجات النارية “بودا بودا” لكسب لقمة العيش. ويرى أن الأمر يتعلق بالبقاء على قيد الحياة، لذا يفعل الشباب ما بوسعهم للحصول على متطلبات المعيشة.
نسبة البطالة بين الشباب في جنوب السودان تعد من أعلى النسب في العالم، حيث تقدر بحوالي 60 %. ويعود ذلك إلى عدة عوامل، منها الصراع المستمر منذ الاستقلال، وأدت إلى تدمير فرص العمل وزيادة حالات النزوح. بجانب نقص الفرص التعليمية حيث العديد من الشباب يواجهون صعوبة في الحصول على تعليم جيد.
في جنوب السودان تسعى بعض المنظمات الدولية والمحلية لتقديم برامج تدريبية ومبادرات لخلق فرص عمل، لكن التحديات لا تزال كبيرة.
ويُقدّر معدلات الفقر المدقع منذ اندلاع الحرب في عام 2103، بحوالي 80% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، مما يعني أن معظم الناس لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية، بجانب أن هناك تفاوتاً كبيراً في توزيع الثروة، حيث تتركز الموارد في أيدي قلة، بينما يعاني الكثيرون من الفقر.
اقتصادي: الأمل ضئيل
يشير المحلل الاقتصادي، حكيم أجيط، إلى أن الأزمة الاقتصادية أدت إلى انخفاض حاد في مستويات المعيشة. موضحا أن الناس لا يستطيعون تحمل تكاليف الاحتياجات الأساسية مثل المياه والأدوية. وتعاني الأسر بسبب نقص الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم، بجانب عجز الحكومة في دفع رواتب العاملين بالدولة لأشهر.
لم تدفع حكومة جنوب السودان رواتب العاملين في الخدمة المدنية والجيش لنحو 10 أشهر، وقد أدى ذلك إلى إضراب أساتذة الجامعات مطالبين بدفع رواتبهم، لكن الواقع لم تتغير.
وقال المحلل الاقتصادي، إن الأمل في تحسن الوضع الاقتصادي ضئيلة في ظل الإدارة الحالية، وذكر أن هناك إحباط وفقدان الأمل وسط السكان، وتابع “كانوا يتطلعون إلى الانتخابات، على أمل التغيير، لكن مع تمديد فترة الحكومة الحالية، تحطمت هذه الآمال”.
مع استمرار انخفاض قيمة عملة جنوب السودان ومع التضخم بين أعلى المعدلات في أفريقيا، تسلط الصعوبات التي يواجهها المواطنون الضوء على الحاجة المتزايدة للتدخلات القوية من الحكومة.
يُعتبر الجوع مشكلة رئيسية حاليا حيث وفقا للأمم المتحدة يُقدّر عدد المحتاجين للغذاء بنحو 7.7 مليون شخص، أي حوالي 60% من السكان، يعانون انعدام الأمن الغذائي.
النزاع التي بدأت في العام 2013، بعد أقل من عامين من استقلال البلاد، أدت إلى تفاقم مشكلة الجوع، حيث يعتمد الكثيرون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. فيما تعمل المنظمات الدولية على تقديم المساعدات الإنسانية وتحسين الأوضاع، لكن التحديات لا تزال كبيرة، مما يجعل الوضع في جنوب السودان يتطلب جهودًا مستمرة للتنمية والاستقرار.