فتح الظهورالمُفاجىء، لمطلوب المحكمة الجنائية الدولية – أحد زعماء مليشيات (الجنجويد) – على محمد على عبدالرحمن، المعروف بلقب (كوشيب)، أمام محكمتها فى لاهاى فى الجلسة الاجرائية فى يوم 9 يونيو 2020، باباً واسعاً من الجدل القانونى والسياسيى والمجتمعى والأكاديمى، حول مسألة تسليم بقيّة المطلوبين من زملاء (كوشيب) للمحكمة الجنائية، وهم، وعلى التوالى : أحمد محمد هارون وعبدالرحيم محمد حسين وعمرالبشير( بصفتهم الشخصية )، وهذا الجدل، ليس بجديد، فهو- فى حقيقة الأمر- جدل قديم، أعاده للمشهد الاعلامى – مرّةً أُخرى – اعلان المحكمة الجنائية – رسمياً – أنّ كوشيب المطلوب منذ العام 2007، بات موقوفاً لديها، وسيواجه التُهم المنسوبة إليه، وهى ( خمسين ) تهمة نجدها فى محورين : (اثنان وعشرون) تهمة تتعلّق بجرائم ضد الانسانية – لخّصتها الـ( بى بى سى ) فى موقعها على الانترنيت، ومُتاحة فى مواقع اليكترونية أُخرى – كما يلى: (( القتل، النقل القسرى، الاغتصاب، الاضطهاد، التعذيب، فرض السجن أو الحرمان الشديد من الحرية، وارتكاب أفعال لا انسانية، ما يُسبب مُعاناة أو أذىً خطيراً ))، و( ثمان وعشرون ) تهمة تتعلّق بجرائم حرب، وهى : (( القتل، شن الهجمات على السكان المدنيين، الاغتصاب، الاعتداء على كرامة الاشخاص، والنهب وتدمير الممتلكات))، ومن المقرّر أن يُواجه كوشيب بهذه التُهم – فى جلسة اعتماد التُهم بصورة مبدئيّة، فى اليوم السابع من ديسمبر المُقبل، وقد قرّرت المحكمة فصل قضية كوشيب عن القضية ضد أحمد هارون، الذى لم ( يُسلّم) بعد إلى المحكمة، وجاء ذلك ( الفصل) بهدف ضمان حق كوشيب فى اجراءات عادلة وسريعة، تتطلّبها العدالة، بينما لا يزال هارون خارج قبضة المحكمة، ينتظر قراراً – نرجو أن لا يطول وقت اتخاذه – من الحكومة السودانية، بتسليمه أم لا ؟!. وهنا مربط – الفرس – فرس العدالة !.
يرى كثيرٌمن المراقبين أنّ محاكمة كوشيب، قد تُمهّد الطريق وتفتح الأبواب – منطقيّاً – أمام ضرورة تسليم بقيّة المتهمين الثلاثة للمحكمة، وخاصّة أنّهم – المتهمين- فى عُهدة السلطة الانتقالية فى السودان، وأنّ تسليمهم يأتى بمثابة اختبار حقيقى لقياس جديّة الحكومة السودانية، فى الالتزام بالتعاون مع العدالة الدولية، أم لا؟، خصوصاً أنّ الجرائم التى يواجهها المتهمون، لم تكن مُضمّنة فى القانون السودانى، وقت ارتكاب الجريمة، وهذا يصُب فى خانة فرضية التسليم، باعتبار أن لا عقوبة بغير قانون، والأهم من كل ذلك، أنّ ثورة ديسمبر 2018، هى ثورة للحرية والسلام والعدالة، وأنّ تسليم المطلوبين للجنائية، يجىء من أهمّ مقتضيات وأولويات تحقيق العدالة فى الجرائم المرتكبة بحق انسان السودان، فى دارفور- وغير دارفور- وأنّ استدامة السلام والاستقرار، لا يُمكن أن تتاتّى دون تحقيق العدالة، ومُساءلة ومُعاقبة الجُناة، فى جرائم دارفور، بفتح الطريق أما استكمال مطلوبات الانصاف وإبراء الجراح، وهى من مقتضيات العدالة الانتقالية، وهذا حديث يطول!.
محاولة تصوير المحكمة الجنائية الدولية بأنّها محكمة ( سياسية ) أو( تمييزية / عنصرية) تستهدف الأفارقة دون غيرهم من البشر، ادعاءات قابلة للأخذ والرد، والأحاديث عن أنّ السودان ليس عضواً فى نظام روما الأساسى، الذى أُعتُمد فى 1998، الذى تشكّلت به المحكمة، ودخل حيز التنفيذ عام 2002، هى – أيضاً – آراء ( سياسية )، وهى ادعاءات مردودة على أصحابها، لأنّ الاجابة على هذه الادعاءات ممكنة، فقضية دارفور أُحيلت للمحكمة الجنائية بقرار من مجلس الأمن، وهو من حقه قانوناً إحالة مايرى أنّه يتسبب فى زعزعة الأمن والسلم العالميين، للمحكمة الجنائية… ويرى قادة مجتمعيين أفارقة كثيرين – وبخاصّة – فى المجتمع المدنى، أنّ ادعاء العنصرية بسبب استهداف قادة أفارقة، يسقط،، لأنّ العدالة هى المطلوبة، وأنّ المحكمة الجنائية الدولية، تقوم بما عجزت عنه أو لم ترغب فيه، المحاكم الوطنية لسنوات طويلة، بسبب غياب الارادة السياسية فى تحقيق العدالة، مُضافاً إلى أنّ افريقيا هى أكثر القارات من حيث النزاعات المسلّحة، التى يروح ضحيتها الملايين من المدنيين والناس العاديين، بينما النُخب السياسية الإفريقية ، تحترب وتصطلح، حول السلطة والكراسى، دون أن يتحرّك القادة الأفارقة – ولو خطوة واحدة – فى طريق تحقيق الأمن الشامل فى مناطق النزاعات، ببسط العدالة والسلام الحقيقيين!.
من المُلاحظات الأوليّة، انّ الحكومة السودانية – حتّى هذه اللحظة – مازالت تُرسل اشارات متناقضة، فهى من جهة تتحدّث عن التعاون مع المحكمة، وهذا أمر جيّد ومطلوب، ولكنّها – حتّى الآن- تتحدّث عن (( مُثول )) المتهمين، فيما المطلوب (( التسليم))، والفرق واضح بين العبارتين، وعلى الحكومة أن تحزم أمرها، وتتحدّث بوضوح وصراحة، كسباً للجهد، وللوقت، فى أمرٍلا يحتمل التأخيرأوالتلكؤ أو التأجيل، فالضحايا ينتظرون قول الحكومة الفصل، وعلى الحكومة أن تُفاضل بين معسكرين، معسكر الضحايا الذين يطالبون بتسليم المطلوبين للمحكمة فى لاهاى، وهو معسكر تحقيق العدالة والمطالبة بالانصاف، وإبراء الجراح، بفتح الطريق أمام العدالة الانتقالية، ومعسكر( الانقاذيين) الذين نسمعهم ونقرأ – بأسى شديد – تصريحاتهم الصحفية، وهم يهدّدون ويتوعّدون، بأنّ تسليم البشير، ستكون له عواقب وتداعيات " خطيرة " !!… ومن حقّنا أن نسأل – مع شعبنا – أىّ شىءٍ أخطر من مواصلة تغييب العدالة، أوتأخيرها، أوتجييرها، لمصلحة فئة قليلة، ظالمة، دمّرت الوطن، وقد حكم عليها التاريخ والشعب السودانى، بالانقضاض عليها وعلى نظام حكمها، بثورة سلمية تنشد الحرية والسلام والعدالة، فأىّ الخيارين – تُرى – ستختار الحكومة الانتقالية ؟!.
المطلوب بوضوح – وبالسرعة اللائقة – هو الدخول الفورى مع المحكمة فى تفاصيل اجراءات تسليم المطلوبين، ودعوة مكتب المدعية العامة للحضور للسودان – اليوم ، قبل الغد – للتشاور حول تنفيذ أمر التسليم، وهذا ما يؤكّد مصداقية حكومة الثورة تجاه ملف العدالة الدولية، ويُعزّز- فى ذات الوقت – الثقة فى التعامل مع بقية ملفات العدالة، فى القضايا الأُخرى، وهى كثيرة، ومعروفة للجميع!. والمطلوب – أكثرمن أىّ وقتٍ مضى – التركيزعلى مصلحة الضحايا ومعاناتهم وعذاباتهم، ورغبتهم وآمالهم وأحلامهم فى تسريع خطوات تحقيق العدالة، وجعل الضحايا وقضاياهم فى مركز الأخبار، والأحداث، وهذا هو الأهم فى هذه المرحلة الحساسة من عمر حكومة الفترة الانتقالية فى قضية العدالة والانصاف.
فيصل الباقر faisal.elbagir@gmail.com
مقالات الرأي التي تُنشر عبر موقع راديو تمازج تعبر عن آراء كُتابها وصحة أي ادعاءات هي مسؤولية المؤلف، وليست راديو تمازج
فيصل الباقر faisal.elbagir@gmail.com
مقالات الرأي التي تُنشر عبر موقع راديو تمازج تعبر عن آراء كُتابها وصحة أي ادعاءات هي مسؤولية المؤلف، وليست راديو تمازج