قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن الغارات الجوية التي تشنها الحكومة السودانية بصورة مستمرة على مناطق جبال النوبة، بولاية جنوب كردفان، باتت تهدد بانتهاء مصير الأطفال في هذه المناطق إلى الموت بصورة عنيفة. علاوة على ذلك، فإن الحظر المفروض على دخول منظمات العون الإنساني تسبب في أزمة صحية وتعليمية في المناطق المتأثرة بالنزاع.
وكانت هيومن رايتس ووتش قد زارت في أبريل/نيسان 2015، 13 قرية ومدينة في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين في جبال النوبة بجنوب كردفان، التي تعرضت بصورة متكررة خلال العام الماضي لهجمات بذخائر متفجرة تسقطها طائرات سلاح الجو السوداني بالإضافة إلى عمليات القصف المدفعي الأرضي. وتركز اهتمام باحثي هيومن رايتس ووتش بصورة رئيسية على مدى تأثير الانتهاكات التي ارتُكبت خلال النزاع على الأطفال بصورة خاصة.
وقال دانيال بيكيلي، رئيس قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “حمم القنابل مزقت الأطفال إلى أشلاء بالفعل وأحرقتهم أحياء مع أشقائهم وشقيقاتهم”، وأضاف قائلاً: “هؤلاء الأطفال عاجزون عن الحصول على غذاء كاف ورعاية صحية أو تعليم، والوضع يزداد سوءاً.”
وقالت هيومن رايتس ووتش إن الهجمات المخالفة للقانون على المدنيين ومنع وصول المساعدات الإنسانية يجب أن تخضع للتحقيق كجرائم حرب، كما يجب على مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، أن يتحقق بشأن ما يحدث على الأرض وأن يفرض حظراً على السلاح في منطقة النزاع. ويتعيّن أيضاً على مجلس الأمن فرض حظر على سفر الأفراد الأكثر مسؤولية في كلا طرفي النزاع عن عرقلة تسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتجميد أرصدتهم.
وكان القتال بين قوات الحكومة السودانية والمعارضة المسلحة، الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، قد اندلع في يونيو/حزيران 2011 عقب خلاف بشأن نتائج انتخابات في جنوب كردفان، وانتقل النزاع بصورة سريعة إلى ولاية النيل الأزرق. واتسم النزاع في الولايتين باستخدام السودان أسلحة متفجرة في الهجمات الجوية على المدن والقرى، كما أنالحظر الذي ظلت تفرضه الحكومة على وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق النزاع فاقم من الأوضاع المتدهورة أصلاً.
وكانت هيومن رايتس ووتش قد قامت بتوثيق مقتل ما يزيد على 100 مدني خلال عامي2014 و2015 بسبب عمليات القصف الجوي أو عقب الهجمات التمهيدية بذخائر غير متفجرة وبقايا متفجرات استخدمت خلال الحرب، بما في ذلك مقتل 26 طفلاً، بالإضافة إلى توثيق 29 حالة تعرض فيها أطفال لإصابات بعضها بالغة. وفي واحدة من هذه الحالات لقي5 أطفال مصرعهم عندما احترقوا حتى الموت بعد أن تسببت قنبلة في تدمير منزلهم واشتعال النيران فيه، و من ضمنهم فتاة احترق جسدها بالكامل وتوفيت بعد أسابيع من أصابتها وهي تعاني من آلام مبرحة.
وقالت امرأة فقدت ستة أطفال في عملية قصف جوي عام 2014 لفريق هيومن رايتس ووتش البحثي، وهي جالسة إلى جانب منزلها الذي دمره القصف الجوي في مدينة هيبان، بمحلية هيبان: “جيراني كانوا يحاولون منعي من الوصول إلى المكان الذي قٌصف فيه أطفالي، حيث كانت بعض أشلائهم عالقة على هذه الشجرة.”
وقامت منظمة سودانية محلية معنية برصد حقوق الإنسان بتوثيق العديد من عمليات القصف الجوي الأخرى والقصف المدفعي التي أوقعت ضحايا مدنيين خلال هذه الفترة.
كما أن هيومن رايتس ووتش وقفت على أدلة تثبت أن الطائرات الحكومية تقوم بقصف المستشفيات والمرافق الإنسانية الأخرى عمداً. ففي مايو/أيار ويونيو/حزيران 2014 تعرض العديد من المستشفيات والمرافق الإنسانية الأخرى للقصف خلال فترة زمنية قصيرة سبقها في ثلاث حالات تحليق طائرات بدون طيار فوق هذه المرافق، الأمر الذي يشير إلى تعمد قصف هذه المرافق.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن الهجمات التي تستهدف المرافق الصحية وعمليات القصف العشوائي الواسع التي تستهدف المدن والقرى، والتي تسفر عن قصف المنازل والمزارع والمرافق الصحية والتعليمية، يشكّل جرائم حرب. إذ أسفرت هذه الهجمات عن المزيد من التراجع في مجال الخدمات الصحية، التي تعرضت أصلاً للتدمير بفعل أربع سنوات من النزاع وسياسة الحظر التي فرضتها الحكومة على عمل وكالات المساعدات الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين بعد وقت قصير من بدء النزاع. وكان طرفا النزاع قد فشلا منذ ذلك الوقت في التوصل إلى اتفاق بشأن كيفية توصيل المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الأغذية والأدوية وإمدادات المدارس.
وتقول هيومن رايتس ووتش إن الحرمان المتعمد من المساعدات الإنسانية يشكل انتهاكاً للقانون الدولي، ومن الممكن أيضاً أن يكون جريمة حرب.
تجدر الإشارة إلى أن غالبية الأطفال الذين ولدوا في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين بجبال النوبة منذ العام 2011 لم يتم تحصينهم ضد أمراض يمكن الوقاية منها. وعقب فشل الطرفين في التوصل إلى اتفاق حول وقف مؤقت لإطلاق النار للسماح بإجراء حملة التحصين ضد شلل الأطفال في عام 2013، أصاب مرض الحصبة عدة مئات، وربما آلاف، من الأطفال.
وكان عاملون محليون في المجال الصحي قد تلقوا نحو 2000 حالة يشتبه في أن تكون إصابة بالحصبة خلال الفترة بين أبريل/نيسان وديسمبر/كانون الأول 2014. وعلى الرغم من أن العاملين في المجال الصحي قد نجحوا في تحصين عشرات الآلاف من الأطفال ضد هذه الأمراض، فإن عدة آلاف آخرين لا يزالون عرضة لمخاطر الإصابة بالمرض، إذ لا تزال هناك حالات جديدة يتم الإبلاغ عنها. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه في حال التوصل إلى اتفاق بشأن حملة الأمم المتحدة للتحصين ضد شلل الأطفال، فمن الممكن أن يكون هناك تحصين لمكافحة تفشي مرض الحصبة في بعض المناطق.
وفي هذا السياق قال بيكيلي: “هناك التزام على الطرفين بموجب القانون الدولي بتقليل معاناة المدنيين إلى أدنى حد وعدم عرقلة حصولهم على خدمات الرعاية الصحية المستقلة”، وأضاف قائلاً: “يجب على الطرفين أن يقوما فوراً بتسهيل عمليات التحصين قبل أن يتسبب فصل الأمطار المقبل في الحد من الحصول على هذه الخدمات أو تفشي المزيد من الحالات.”
وتوصلت هيومن رايتس ووتش إلى أن النزاع وحظر دخول المساعدات قد تسببا في تدمير النظام التعليمي. إذ أن حملات القصف التي تقوم بها الحكومة قد تسببت في تدمير ما يزيد على 20 مدرسة، كما أن غالبية المدارس الـ250 المتبقية تعمل في العراء تحت الأشجار أو يتم تجميع تلاميذها في مناطق جبلية بغرض حمايتهم من القصف. كما أن غالبية هذه المدارس تفتقر إلى الأدوات المدرسة، الأمر الذي اضطر التلاميذ في بعض المناطق إلى التعلُّم الشفاهي وحتى إجراء امتحاناتهم شفاهة وبكتابة الكلمات على الرمل.
وقال بيكيلي: “مرت أربع سنوات ولا تزال آثار هذه الأوضاع الأليمة في جبال النوبة واضحة تماماً”، وأضاف قائلاً: “لم تنجح الضغوط الدولية على طرفي النزاع لحملهما على التوصل إلى اتفاق حول وصول المساعدات. لذا، يجب على مجلس الأمن أن يلجأ إلى التهديد بفرض عقوبات على الجهات المسؤولة عن منع وصول المساعدات، كما يجب أن يفرض المجلس حظراً على السلاح.”