تداعيات الحرب على النظام التعليمي في السودان: آثار الصراع المسلح على الطلاب والمؤسسات الجامعية

التعليم في زمن الحرب: معاناة الجامعات السودانية بعد النزاع

تداعيات الحرب على النظام التعليمي في السودان: آثار الصراع المسلح على الطلاب والمؤسسات الجامعية

معتز محمد بشير- صحفي سوداني
  •        تأثير الحرب على التعليم في السودان موضوع حساس وهام، حيث تضررت 40% من مباني الجامعات والكليات جزئياً أو كلياً، وهجر 20% من المعلمين والأساتذة الجامعيين مناطق عملهم، مما أثر سلباً على جودة التعليم.

إحصاءات نقابة المعلمين تشير إلى نزوح أكثر من 8,000 معلم وأستاذ جامعي، مما قلّص الكوادر التعليمية بنسبة تزيد عن 22%. دراسة اليونسكو لعام 2023 أظهرت إنخفاض عدد الطلاب في الجامعات السودانية بنسبة 30% منذ بدء النزاع.

ملايين الطلاب يواجهون مصيراً غامضاً مع إستمرار الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حيث تعطلت العملية التعليمية كلياً، وتحولت مئات المدارس في المناطق الآمنة إلى معسكرات تؤوي الفارين من القتال. الحرب تسببت في إغلاق أكثر من 100 جامعة حكومية وخاصة، وتدمير العديد من الجامعات والمعاهد العليا.

حربٌ تفتك بالأحلام: طلاب سودانيون (بالداخل) يواجهون تحديات التعليم وسط الصراع:

  • تُعاني الحياة اليومية للمواطنين في السودان من تأثيرات الحرب الدائرة في العديد من مناطق البلاد، وقد تأثر قطاع التعليم بشكل كبير ومستقبله. لمعرفة التحديات التي يواجهها الطلاب في هذه الفترة، أجرينا حواراً مع مجموعة من الطلاب الجامعيين، (داخل السودان) حول قرار فتح الجامعات وكيفية إستمراريتها في ظل الحرب القائمة، حيث تواجه الطلاب تحديات جمة في مواصلة مسيرتهم الدراسية؛ فيقول “ساجد معتصم عبد الرازق”، الذي يدرس في كلية الهندسة قسم الهندسة الكهربائية بجامعة سنار، أبدى استياءه من تأثير الحرب على مستقبله التعليمي. وعندما سألناه عن الدعم والمساعدات التي تقدمها الجهات التعليمية في السودان خلال هذه الحرب، أكد أنه لا يوجد أي دعم ملموس، وأشار إلى أن ميزانية الدولة تُقتطع جزءاً كبيراً منها للتسليح والأمن، مما أدى في النهاية إلى حدوث حرب لا يعرف مداها، وأضاف أن الجامعات أصبحت الآن معسكرات للجيوش بالإضافات لصعوبات مثل الحصول على أدوات أساسية مثل شبكة الإنترنت الجيدة، مما جعله يشعر بفقدان الإنتماء للجامعة والمجتمع الأكاديمي في السودان.
  • أما “محمد حامد أبو القاسم”، طالب هندسة الميكانيكا في جامعة كردفان، فقد أضطر للنزوح من مدينته، بحثاً عن فرص عمل وضمان لأمنه، ليجد نفسه متنقلاً بين مناطق ساخنة وأخرى آمنة، ثم مُجبراً على مواجهة تحديات السكن والمعيشة، والتكيف مع بيئة دراسية جديدة (بعد قرار فتح الجامعة)، مُحملاً بمسؤولية ضمان إستمرارية تعليمه، في ظل غياب الدعم من قبل إدارة الجامعة. كما أبان “محمد”عن تأثير الوضع الاقتصادي والاجتماعي الناجم من الحرب على فرص التعليم الجامعي في السودان، موضحاً بأن إستمرار الحرب سيشكل حالة طردية للأوضاع الموجودة.

*تُظهر شهادات الطلاب واقعاً مُراً، إذ  تُهدد الحرب مستقبل التعليم في السودان، حيث تدهور البنية التحتية، وإنخفاض مستوى الدعم، وتفاقم الصعوبات التي يواجهها الطلاب، فيطالب هؤلاء الطلاب الدولة بتحمل مسؤوليتها تجاه مستقبل التعليم، وإعطائه الأولوية في ظل هذه الظروف الصعبة وتفهم طبيعة الوضع القائم لهذا يجب أن تُدرس القرارت بشكل موضوعي وعقلاني كقرار مواصلة الدراسة الجامعية هذا.

***

بين جدران الجامعة والحرب: رحلة طلاب سودانيين نحو مستقبل غامض …

تُظهر قصص الطلاب السودانيين الذين لجأوا إلى الخارج بسبب الحرب الدائرة في بلادهم تحديات كبيرة تواجههم في مواصلة تعليمهم.

  • في مقابلة مع الطالب “مؤيد علي أحمد”، تحدث عن تأثير النزوح على تعليمه، مشيراً إلى فقدان الإستقرار والأمن وتأثيرهما على العملية التعليمية، ورغم الصعوبات، واصل دراسته في الهندسة الحاسوبية بجامعة الزعيم الأزهري في الخارج.

وأوضح “مؤيد” أن التكيف مع البيئة الجامعية الجديدة كان تحدياً، ولم يواجه صعوبات في التواصل مع الأساتذة والزملاء، ولكن أشار إلى شعوره بفقدان الإنتماء نتيجة التحولات في السودان.

وفيما يتعلق بالفرص في المراكز الجامعية بالخارج، أشار إلى أن البيئة المحيطة في المراكز الجامعية بالخارج تُعد أفضل من حيث الإعداد وتوفر المطلوبات للدراسة، مثل سهولة الحصول على المراجع والوصول إلى الإنترنت.

  • من جانبها، تُؤكد “ومضة مجدي عمر موسى” من جامعة الزعيم الأزهري، أكدت على أهمية المراكز التعليمية في إعادة بناء التعليم الجامعي في السودان، مشيرةً إلى أنها تقدم حلولاً مهمة في ظل الظروف الصعبة.

اعترفت “ومضة” بتأثير الحرب والنزوح على تركيزها في الدراسة، مشيرةً إلى التحديات النفسية والعملية التي واجهتها، لكنها تؤكد على أهمية الحفاظ على الأمل والإستمرار في تحقيق الأهداف الدراسية، مشيرةً إلى شعورها بالاستقرار والأمان في البلد الذي تدرس فيه حالياً، رغم الظروف الصعبة في السودان، فهي تحاول الحفاظ على تركيزها في الدراسة والاستفادة من الدعم المتاح من الجامعة والأسرة.

***

يُسلط الضوء هذا الحوار على تجربة طلبة سودانيين يدرسون في مصر، حيث يُناقشون تأثير الحرب على حياتهم الدراسية.

  • يستعرض الحوار تجربة “محمد محمود جار النبي”، طالب سوداني يدرس في مصر، وتأثير الحرب على حياته الدراسية. اختار محمد الدراسة في الخارج بسبب التعطيل المتكرر للدراسة في السودان نتيجة للأحداث السياسية وجائحة كوفيد-19.

يروي “محمد” رحلته من السودان إلى مصر بحثاً عن تعليم مستقر، حيث واجه تحديات كبيرة مثل ترك عائلته وأصدقائه، ومخاطر السفر، والتكيف مع بيئة وثقافة جديدة. بعد جهود كبيرة، تم قبوله في جامعة القاهرة بمصر حيث يدرس الآن بقسم (Microbiology) في كلية العلوم.

رغم عدم معايشته للحرب بشكل مباشر، إلا أنها أثرت على حالته النفسية بسبب القلق على أسرته وأصدقائه. وجد “محمد” أن نظام التعليم في مصر أفضل من السودان من حيث جودة التعليم والبنية التحتية.

واجه “محمد” صعوبات مادية ونفسية، بالإضافة إلى الشعور بالضغط والحنين للوطن. يعبر عن قلقه على مستقبل التعليم في السودان، خوفاً من تدمير المؤسسات التعليمية وتعطل الدراسة بسبب الحرب.

  • “نجم الدين إسماعيل عبد الله”، طالب سوداني في السنة الثالثة بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، يشاركنا تجربته كطالب يدرس بمصر، فيعبر عن مشاعر مختلطة بين الحزن لفراق وطنه وعائلته، والحماس لإكتشاف ثقافات جديدة، حيث يواجه “نجم الدين” تحديات في التكيف مع البيئة الجديدة، مثل اللغة، إختلاف العادات والتقاليد، النظام التعليمي، والعزلة الاجتماعية، ولكن يؤكد على أهمية الوقت والصبر والإنفتاح على التعلم من التجارب الجديدة، والبحث عن دعم من المجتمعات الطلابية المحلية والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية.

يشعر “نجم الدين” بخيبة أمل من قلة الدعم من الجهات المسؤولة في السودان ومصر، بما في ذلك تخفيض الرسوم الدراسية التي إرتفعت من 10% إلى 30%. يخطط للعودة إلى السودان بعد التخرج، لكن  ذلك يعتمد على الوضع السياسي والاقتصادي هناك حد قول “نجم الدين”، كما يؤمن بأن التعليم الجامعي في السودان يمكن أن يتعافى بعد الحرب بشرط وجود استقرار سياسي واقتصادي.

التقديم للدراسة  في مصر يكون عبر منصة [أدرس في مصر]  (https://admission.study-in-egypt.gov.eg ) للتقديم للجامعات المصرية، والتي تتطلب إدخال معلومات شخصية وتفاصيل عن الجامعات السابقة ودفع الرسوم. وصف المنصة بأنها تتضمن (22) خطوة يجب إتمامها، بما في ذلك دفع الرسوم عن طريق إيداع بنكي أو فيزا، ثم إنتظار القبول.

***

التعليم الجامعي في ظل الحرب: رؤية أساتذة جامعيون يعملون بالمراكز التعليمية بالخارج …

  • في ظل الحرب التي تعصف بالسودان، يعاني التعليم الجامعي من أزمات حادة تهدد مستقبل الأجيال القادمة. يسلط بروفيسور “بكري الطيب موسى”، عميد كلية العلوم الإدارية بجامعة العلوم والتقانة، الضوء على أبرز التحديات التي تواجه التعليم الجامعي في السودان، ودور المراكز التعليمية التي تمّ افتتاحها في الخارج.

تدمير البنية التحتية وفقدان الكوادر الأكاديمية: الحرب دمرت البنية التحتية للعديد من الجامعات السودانية، مما أدى إلى خسارة المعدات والأجهزة وتحويل الجامعات إلى ملاجئ للنازحين، كما أدت الحرب إلى هجرة العديد من الأساتذة والباحثين، مما تسبب في نقص حاد في الكفاءات الأكاديمية وتوقف الدراسة وتعطيل البحث العلمي.

المراكز الجامعية في الخارج: المراكز الجامعية التي تمّ إفتتاحها في الخارج تُعد حلاً مؤقتاً لضمان إستمرارية التعليم، لكنها تواجه تحديات كبيرة مثل التكلفة العالية وتعقيد إجراءات التصديق، وصعوبات في الحصول على الموارد التعليمية اللازمة، مما يشكل عبئاً كبيراً على الطلاب وأسرهم.

مناشدة للحكومة السودانية: يختتم البروفيسور حديثه بمناشدة الحكومة السودانية أن تُولي التعليم الجامعي إهتماماً أكبر، وأن تُقدم الدعم المالي واللوجستي الكافي لإعادة بناء التعليم الجامعي في السودان وتجاوز التحديات الحالية، لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

***

  • الأستاذ “أشرف محمد الحسن”، أستاذ بجامعة المغتربين، حاورناه عن تجربته في التدريس بهذه المراكز وآثار الأزمة الراهنة على عمله.

تأثير الأزمة والتحديات: الأزمة السياسية والاقتصادية في السودان أثرت بشكل كبير على إستقرار العملية التعليمية. المدارس تكدست بالنازحين، وفقدت الأسر مصادر دخلها، وعدم قدرة الدولة على دفع مستحقات المعلمين في الوقت المناسب يشكل تحدياً كبيراً.

الدعم والتقدير: الأستاذ “أشرف” يشعر بعدم التقدير أو الدعم من الجهات المسؤولة، حيث ينصب جل إهتمامها على الأوضاع الأمنية، بعيداً عن ضمان صرف المرتبات بانتظام، وتوفير البنية التحتية اللازمة للعملية التعليمية.

دور المجتمع الدولي: الأستاذ “أشرف” لم يرَ أي دعم من المجتمع الدولي للتعليم في السودان.

رسالة للطلاب السودانيين: ينصح الأستاذ أشرف الطلاب بالاهتمام بالدراسة عبر الإنترنت بمنصات جامعاتهم والجلوس للامتحانات كأفضل خيار حالياً.

إقتراحات للتعاون: يقترح الشراكات مع المدارس السودانية لإقامة الامتحانات للطلاب الجامعيين.

الخلاصة: الأزمة السودانية تلقي بظلالها الثقيلة على التعليم، مما يستدعي جهوداً مضاعفة من جميع الأطراف لضمان استمرارية العملية التعليمية في ظل هذه الظروف الصعبة.

***

  • قرار إغلاق  المراكز الجامعية لم يعنى به المراكز الجامعية في نفسها، ولكن لأن إرتباط معظم المراكز الجامعية بالتدريس في المدارس بالتالي تلقائياً بعض المراكز الجامعية عملت على إغلاق مكاتبها، أما قرار إغلاق المدارس فهو قرار صدر من الإدارة التعليمة بمصر بواسطة محافظ الجيزة بمصر يوم 27/ يونيو/2024م، حيث أن القرار خاص المدارس السودانية، نسبة لأن معظم تلك المدارس لم تكن تعمل بشكل قانوني.
  •   لم يصدر قرار رسمياً من وزارة التعليم العالي، حيث تُرك  المجال للجامعات بإتخاذ  قراراتها فيما يتعلق بكيفية مباشرة الدراسة لطلابها.
  •  بعض الجامعات لم تُباشر الدراسة ولكن فتحت مبانيها لعدد من الجامعات والكليات بمواصلة الدراسة فيها، كجامعة كسلا، حيث أجرت مبانيها.
  • توجد جامعات سودانية بمصر لم مستمرة في دراستها بالمراكز، نسبة لأنها في شراكة مع جهات مصرية للإستضافة للأمتحانات، حيث أن الدراسة معظمها إلكيترونياً، مثال لذلك جامعة الزعيم الأزهري، وأمدرمان الإسلامية، السودان للعلوم والتكنولوجيا.
  • وهنالك من هي تحت ممظلة المدارس السودانية (جامعة المغتربين)
  • تتفاوت بدء تتواريح فتح المراكز الجامعية دي، نسبة لأن القرار غير صادر من وزارة التعليم العالي بقدر ما هي قرارات متوقفة على الجامعة نفسها، ولكن (معظم) الجامعات بدأت في فتح مراكز جامعية بالقاهرة في شهر  فبراير /2024م.
  • أيضاً مسألة حصر عدد المراكز الجامعية يصعب حصرها، لأن أمر فتح مراكز جامعية هو خاضع بتقديرات للجامعة نفسها، لهذا لا توجد إحصائية مضبوطة في وزارة التعليم العالي.
  • بعض الجامعات خلقت شراكات تحت مظلة مؤسسات مصرية وأخرى تحت مدراس سودانية، وأخرى أقامت بتأجير وشراء مباني خاصة بها كجامعة العلوم الطبية.
  • يذكر بعض الأساتذة بأن الحلول تكمن في عمل مكتب  تنسيق واحد للجامعات ويكون تحت السكرتارية الثقافية في السفارة السودانية مع وزارة التعليم العالي، وبالتالي يمكن ضبط وإضفاء القانونية على المراكز الجامعية، حيث أن كثير من تلك الجامعات لديها تخوفات بأن تلجأ الحكومة المصرية لعرقلة تلك الخطوة بفتح المراكز ومحاولة إستمرارية التعليم للطلاب.
  • في ظل الازمة التي لحقت بالمدارس السودانية، من إعادة إجراءات بتقنين أوضاعها، وهو ما تضرر منه عديد الجامعات التي كانت تتخذ من تلك المدارس مراكز لطلابها، لجئيت بعض الجامعات مثل (جامعة المغتربين – جامعة السودان – جامعة امدرمان الاسلامية) في سبيل معالجة الامر وإسمرارية الدراسة والإمتحانات لطلابها، باللجوء (لبيت السودان)، وهي مباني تتبع للسفارة السوداني بالقاهرة، من أجل إجلاس الطلاب وإمتحانهم بها لحين صدور قرار رسمي بخصوص المراكز، من جانب آخر فأن هنالك جامعات على غرار (جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا) فقد عملت على تأسيس مباني خاصة بها لإستمرار الدارسة والإمتحانات.

الكاتب/ معتز محمد بشير- صحفي سوداني