رسائل سرية تفضح الفساد في جنوب السودان.. ووزارة النفط تتوعد وكيلها السابق بالمقاضاة

بررت وزارة النفط في جنوب السودان، اليوم الخميس، المراسلات المسربة من الوزارة إلى شركتي نفط عالميتين عاملتين في البلاد، التي تطلب دفعات مُسبقة بقيمة 2.5 مليار دولار أمريكي، كانت محاولة من قبل النائب السابق للرئيس ومسؤولين آخرين للاختلاس، مؤكدة أنها كانت “مراسلات حكومية سرية”.

وكان الرئيس سلفا كير قد أقال يوم الاثنين المهندس شول طون أبيل من منصب وكيل وزارة النفط، بعد أسبوع واحد فقط من تعيينه، وأعاد المهندس دينق لول وول الذي كان قد أُقيل من نفس المنصب الأسبوع الماضي.

واتهم بيان صحفياً، يحمل ختم الوزارة، ولكنه غير موقّع، وكيل الوزارة السابق مباشرةً، المهندس الدكتور شول طون أبيل، بالوقوف وراء عملية التسريب لدوافع خفية، مشيراً إلى أن تحقيقاً يجري مع خطط للمقاضاة.

قد انتشرت وثيقتان بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر فيه طلب الوزارة أكثر من اثنين مليار دولار أمريكي من شركات عالمية مقابل النفط الخام.

وجاء في بيان الوزارة الذي أطلع عليه راديو تمازج: “تود وزارة النفط أن تتناول وتوضح التداول الأخير لمراسلتين حكوميتين سريتين على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، مصحوبتين بعناوين مضللة وتشهيرية مثل- بول ميل، دينق لول، وفضيحة 2.5 مليار دولار. وتنفي الوزارة نفياً قاطعاً هذه المزاعم والتحريفات الكاذبة”.

وأضاف: “الرسالتان المتداولتان، بتاريخ 27 أكتوبر 2025 و 31 أكتوبر 2025، كانتا مراسلات حكومية رسمية موجهة على التوالي إلى المدير القطري لشركة ONGC Nile Ganga B.V مؤسسة النفط والغاز الطبيعي- نايل غانقا)، جوبا، وتطلب دفعاً مسبقاً محتملاً بقيمة مليار دولار أمريكي.

وتابع البيان: “الرسالة الثانية كانت موجهة إلى المدير القطري لشركة CNODC/CNPC- الشركة الوطنية الصينية للتنقيب والتطوير النفطي والشركة الوطنية الصينية للنفط)، جوبا، وتطلب دفعاً مسبقاً محتملاً بقيمة 1,5 مليار دولار أمريكي.

وذكرت الوزارة أن كلتا الرسالتين المسربتين، الموقعتين من قبل المهندس دينق لول وول، وكيل وزارة النفط، كانت مراسلات أولية وإجرائية صدرت في إطار مناقشات وزارية مشتركة جارية، تهدف إلى تأمين ترتيبات مالية مُسبقة مقابل استحقاقات جنوب السودان من النفط الخام.

وأكد البيان: “لم تكن هذه معاملات نهائية أو معتمدة، ولم يتم تحويل أو استلام أو صرف أي أموال لحكومة جمهورية جنوب السودان”. وشدد على أنه “يجب أن يكون مفهوماً بجلاء أن وزارة النفط لا تتخذ قرارات أحادية الجانب فيما يتعلق بعائدات النفط أو الدفعات المالية المسبقة”.

وأضاف البيان: “إن وزارة المالية والتخطيط هي الحارس الوحيد لجميع عائدات النفط والمعاملات المالية لجمهورية جنوب السودان”.

ووفقاً للبيان، تعمل وزارة النفط بموجب توجيهات وإرشادات سياسة وزارة المالية والتخطيط، وأي ترتيب مالي من هذا النوع هو قرار حكومي جماعي، يُتَّخَذ بتنسيق وموافقة كاملين بين الوزارات.

وقالت الوزارة: “كانت الأموال المطلوبة مخصصة حصرياً للأغراض الحكومية الرسمية، وليس للمنفعة الشخصية أو الفردية”.

وعبّرت الوزارة عن قلقها البالغ إزاء التسريب غير المصرح به لهذه الوثائق السرية، “الذي يشكل انتهاكاً جسيماً للسرية الحكومية والأخلاقيات وبروتوكولات الأمن القومي”.

وجاء في جزء من البيان: “تشير النتائج الأولية إلى أن وكيل الوزارة السابق، المهندس الدكتور شول طون أبيل، احتفظ على نحو غير قانوني بوثائق رسمية وأختام مكتبية بعد مغادرة منصبه، وقام لاحقاً بتسريب هذه المراسلات السرية بنية واضحة لتضليل الجمهور وتشويه صورة الوزارة وقيادتها، وإن مثل هذه التصرفات غير أخلاقية، وغير قانونية، وتضر بسمعة ومصداقية حكومة جنوب السودان”.

واختتم البيان بالقول: “تدين وزارة النفط هذا السلوك بأشد العبارات الممكنة، وقد أحالت المسألة إلى الأجهزة الأمنية والتحقيقية الوطنية ذات الصلة لإجراء تحقيق فوري واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة”.

تُصنِّف منظمة الشفافية الدولية جنوب السودان على نحو ثابت ضمن الدول الأقل شفافية والأكثر فساداً في العالم. في السنوات الأخيرة، غالباً ما كانت تقع في المرتبة 180 الأخيرة أو قريباً منها، مما يعكس الفساد المستشري في القطاع العام.

يرتبط الفساد في جنوب السودان ارتباطاً وثيقاً بقطاع النفط والاقتتال الداخلي بين النخبة السياسية والعسكرية، ويمثل النفط أكثر من 90% من إيرادات البلاد، ويُعد القطاع الأكثر افتقاراً للشفافية وسوء الإدارة.

وفقا لتقارير دولية عن الشفافية، تُنهب إيرادات النفط بشكل ممنهج عبر عقود وصفقات غير شفافة، وأن الحكومة تستخدم النفط كضمان للحصول على قروض أجنبية ضخمة تُصرف في الغالب بعيداً عن الميزانية الحكومية والاحتياجات الأساسية.

وأشارت تقارير أممية إلى أن الفساد وسوء الإدارة يساهمان على نحو مباشر في الأزمة الإنسانية والمجاعة، حيث يُحَوَّل الموارد المخصصة للخدمات العامة (كالصحة والغذاء) إلى جيوب النخبة، مما يهدد حياة الملايين.