قالت منظمة أطباء بلا حدود اليوم الثلاثاء، إن النظام الصحي في جنوب السودان يتعرض لضغط هائل، حيث يتسبب تصاعد الصراع، وتفشي الأمراض، ومحدودية الموارد في حرمان مئات الآلاف من الحصول على الرعاية الأساسية.
وكشف تقرير جديد صادر عن منظمة أطباء بلا حدود بعنوان “متخلفون في الأزمة: تصاعد العنف وانهيار الرعاية الصحية في جنوب السودان”، أن سكان جنوب السودان يواجهون وضعاً إنسانياً متدهوراً، بينما يستمر الاهتمام والدعم الدولي في التراجع.
وكشفت الدكتورة سيغريد لامبرغ، رئيسة عمليات أطباء بلا حدود الميدانية في جنوب السودان، خلال إطلاق التقرير في جوبا، أن عام 2025 كان عاماً مضطرباً على نحو خاص.
وقالت: “العنف في تصاعد، الهجمات على المستشفيات تتزايد، وأزمات متعددة تضرب المجتمعات في الوقت ذاته، وترى فرقنا نظاماً صحياً مُجهداً إلى أقصى حدوده، مع توفر القليل جداً من الموارد للمحتاجين”.
وسلطت الضوء على وجود منظمة أطباء بلا حدود الطويل الأمد في البلاد، حيث تدير 14 مشروعاً للرعاية الصحية الثانوية، بما في ذلك مستشفيات، بميزانية بلغت 119 مليون دولار في عام 2024. وعلى الرغم من ذلك، شددت على أنه حتى أطباء بلا حدود لا يمكنها سد الفجوات الأوسع في النظام الصحي لجنوب السودان.
ويشير التقرير إلى تفشي الكوليرا الذي أثر في أكثر من 80 ألف شخص، وفيضانات في مناطق متعددة، وهجمات على المرافق الصحية، بما في ذلك ثماني حوادث استهدفت مستشفيات أطباء بلا حدود هذا العام وحده. وأُجبر مستشفيان – في أولانق وفانجاك القديمة على الإغلاق، مما ترك ما يقرب من 400 ألف شخص دون إمكانية الحصول على الرعاية.
وقالت: “النظام الصحي لا يواكب الاحتياجات، وعندما يُجبر الناس على الفرار، يفقدون إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية، ولا يتوفر أي عامل صحي أو أدوية في تلك المناطق، وهناك حاجة ملحة لتقديم الدعم الفوري وضمان الوصول الآمن للعاملين الصحيين”.
وانتقدت المسؤولة في أطباء بلا حدود أيضاً انخفاض الاستثمار الحكومي في الصحة. مشيرة إلى أن 1.3% فقط من الميزانية الوطنية تذهب للرعاية الصحية، وهو “أقل بكثير مما هو مطلوب، ويعاني السكان نتيجة لذلك. يجب على المانحين والحكومة على حد سواء تكثيف جهودهم لمنع المزيد من الخسائر في الأرواح”.
ويأتي تقرير أطباء بلا حدود الجديد وسط دعوات لزيادة الدعم الدولي وزيادة الالتزام الحكومي لضمان وصول المستشفيات والعيادات إلى الفئات السكانية الضعيفة، خاصة في المناطق المتأثرة بالصراع.
من جانبه، قال الدكتور هامفاري كراماغي، ممثل منظمة الصحة العالمية في جنوب السودان، إن مشروع تحول القطاع الصحي يمر الآن بـ 18 شهراً من انطلاقه، ويهدف إلى نقل النظام الصحي في البلاد من نموذج إنساني بحت إلى نهج أكثر تركيزاً على التنمية.
وأشار إلى أنه في حين يطمح المشروع إلى تحسين الإنصاف والكفاءة والفعالية، فإن التحديات مثل الصراع المستمر، ونزوح السكان، وتفشي الأمراض، ونقص التمويل قد حدت من تأثيره.
وقال: “في بعض المستشفيات، ترى جناح أطباء بلا حدود يعمل بسلاسة، بينما يعاني الجانب الذي يتبعه مشروع تحول القطاع الصحي، إنه عمل قيد الإنجاز”، مضيفاً أنه على الرغم من النكسات، تظل منظمة الصحة العالمية ملتزمة بدعم التحول الصحي في البلاد.
في تلك الأثناء، قالت تيري آن بريانس، رئيسة قسم الوصول في برنامج الأغذية العالمي بجنوب السودان، إن العمليات الإنسانية في البلاد واجهت تحديات غير مسبوقة في عام 2025 بسبب تصاعد الصراع، وتغير خطوط المواجهة، وصعوبة التضاريس.
وتابعت: “يحدث الصراع على مدار العام الآن، مع مناطق سيطرة ونفوذ جديدة، وغارات جوية، وهجمات برية مما يجعل الوصول إلى المحتاجين أصعب من أي وقت مضى”.
وسلطت الضوء على أن قيود الوصول تتفاقم بسبب نقص التمويل، وقالت إن التمويل الإنساني الإجمالي انخفض من حوالي 700 مليون دولار إلى 280 مليون دولار، مما ترك البرامج الأساسية للصحة والتغذية والغذاء تعاني نقص حاد في التمويل.
وأضافت: “أصبحت عملية تحديد الأولويات أمراً لا مفر منه، ويجب أن نركز على الأنشطة المنقذة للحياة، حتى لو كان ذلك يعني أن بعض الخدمات الوقائية أو الحمائية قد تتلقى اهتماماً أقل، وإنه توازن دقيق، لكننا نعمل لضمان قدرة النظام الإنساني على الاستجابة للاحتياجات الأكثر إلحاحاً”.
من جانبها، قالت سيلفيا موريانا، المساعدة الفنية في الاتحاد الأوروبي ممثلة المانحين في جنوب السودان، إن هناك حاجة ملحة لتجديد الأولوية الدولية لمعالجة الأزمة الصحية في البلاد.
وقالت إن جنوب السودان غائب إلى حد كبير عن وسائل الإعلام الدولية، وأن الوضع على الأرض يتفاقم، ويحتاج إلى أن يعيد العالم تركيز الاهتمام والموارد.
وأكدت أن “العاملين في مجال الرعاية الصحية هم الأبطال الذين يظهرون كل يوم على الرغم من عدم تقاضي رواتبهم لسنوات. لكن يجب أن تتوقف الهجمات على المستشفيات والعيادات، ويجب على جميع الجهات المسلحة ضمان الوصول الآمن للموظفين والمرضى”
كما دعت إلى تعزيز مشروع تحول القطاع الصحي ومبادرات النظام الصحي الأخرى، مشددة على أن الدعم والتنسيق بين المانحين والحكومة والجهات الفاعلة الإنسانية أمر بالغ الأهمية لضمان وصول الأدوية والخدمات إلى الفئات الأكثر ضعفاً.



