كشفت تحقيقاً لراديو تمازج عن حملة تجنيد غير معلنة من قبل قوات الأمن في جنوب السودان تجتاح المراهقين من شوارع العاصمة جوبا وبلدات أخرى، وتنقلهم إلى مواقع تدريب عسكرية نائية.
وصل مؤخراً ثلاثة وعشرون صبياً وشاباً، معظمهم في منتصف سن المراهقة، إلى لانقكين بمقاطعة نيرول في ولاية جونقلي، بعد فرارهم من معسكر تدريب عسكري سري في ولاية أعالي النيل.
يقول الهاربون إنهم احتُجزوا في جوبا خلال عملية مشتركة للشرطة والجيش قُدمت في البداية على أنها حملة للحد من الجريمة، لكن العائلات تصفها الآن بأنها حملة اعتقال عشوائية متزايدة.
لقد اختفينا ببساطة:
يقول واني، البالغ من العمر سبعة عشر عاماً، إنه اعتُقل في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، بينما كان يعمل سائق عربة “توك توك” في اطلع برا.
وقال: “حاولت أن أشرح أنني طالب، لكنهم أخذوني إلى مركز شرطة القطاع السادس، وجاء أخي وتوسل لإطلاق سراحي، لكنهم نقلوني إلى ثكنات جاموس العسكرية”.
بعد ساعات، يقول واني إنه جرى نقله على متن شاحنة مع حوالي 300 شخص آخرين قبل نقلهم جواً إلى ملكال على متن طائرة قال إنها تابعة “لخطوط كوش الجوية”، وهي شركة طيران خاصة مقرها جوبا، وتقدم خدمات الطيران.
من هناك، نُقلت المجموعة بالبوت إلى قلاشيل في مقاطعة باليت، حيث يوجد معسكر تدريب عسكري أنشئ للتجنيد القسري للشباب.
وقال: “نادراً ما كنا نأكل، وكانت المعاملة قاسية جدا، وأضاف: “فرّ خمسة وعشرون منا، لكن واحداً لم ينجُ – لقد أُطلق عليه الرصاص وقُتل، واثنان آخران ألقي القبض عليهما، وأُعيدوا إلى معسكر التدريب”
تزايد نمط الاعتقالات:
قال مكير، 18 عاماً، إنه اعتُقل بينما كان يسير إلى السوق في جوبا الشهر الماضي لشراء ملابس عيد الميلاد. قائلا “احتُجزنا لأيام في جاموس، ووزع لنا زيّاً عسكرياً، ونُقلنا جواً إلى ملكال”.
وأضاف: “قضينا 11 يوماً هناك قبل أن نُؤخذ إلى قلاشيل، وهناك قررنا الفرار؛ لأننا عانينا كثيراً في أثناء التدريب العسكري”.
وقال إنه قبل بدء التدريب العسكري في قلاشيل، جرى فصل المجندين حسب انتمائهم العرقي: “كان هناك 33 من النوير، و15 من باري، و12 من الشلك، وآخرون من مجتمعات الدينكا والاستوائية”.
فرّت المجموعة في النهاية، وسلّمت نفسها إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة في مقاطعة نيرول، الذين عالجوهم من الجفاف قبل التخطيط لتسليمهم إلى وكالة تابعة للأمم المتحدة.
أكد بيتر قاتكوث كوانق، محافظ نيرول المعين من قبل الحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة، قائلاً: “نعم، يمكنني أن أؤكد أن ثلاثة وعشرين وصلوا إلى هنا، وإنهم منهكون ويتلقون الرعاية، وبعد ذلك، سنسلمهم إلى الأمم المتحدة لتعقب عائلاتهم”.
مزاعم الابتزاز:
تشير روايات من عائلات في جوبا إلى أن العملية تتجاوز التجنيد القسري، حيث يصف البعض نظاماً للاعتقال التعسفي وطلب الفدية من قبل قوات الأمن.
وقال تاجر يبلغ من العمر 26 عاماً، طلب عدم الكشف عن هويته، إنه اعتُقل في 3 سبتمبر/ أيلول 2025، واحتُجز لمدة شهرين.
وتابع: “أخذوا هاتفي ومالي وقادوني إلى ثكنات جاموس العسكرية، وبقيت أسأل عن سبب اعتقالي، وضربوني وأغلقوا عليّ مع الكثيرين غيري”.
وقال إنه نُقل إلى المطار مرات عديدة لنقله خارج جوبا، لكنه تُرك في كل مرة؛ لأن الرحلات كانت ممتلئة. وأردف “في النهاية طلبوا مني الاتصال بشخص يمكنه دفع 500 ألف جنيه جنوب السودان، وهكذا أُطلق سراحي”.
وكشف أن صبية لا تتجاوز أعمارهم 13 عاما اعتُقلوا لفترة قصيرة قبل أن يأمر ضباط كبار بإطلاق سراحهم.
وقال: “خلال فترة وجودي هناك، وصل صبية من بور وواو”. وأضاف “جاؤوا في مجموعات، وكان العديد منهم صغاراً جداً، وبدا أن بعضهم يبلغ 13 أو 14 عاماً، ولكن عندما تفقد الضباط الكبار الزنزانة، أُطلق سراح الأصغر سناً”.
وقال إن أولئك الذين هم في سن مناسبة للبقاء جرى إعدادهم بشكل روتيني للرحلات الجوية أو النقل بالمراكب.
وتابع: “بمجرد وصولك إلى ثكنات جاموس العسكرية في جوبا، إما أن تدفع أو ينتهي بك الأمر بالطيران إلى الخارج”.
وقالت غلوريا، وهي أم لأربعة أطفال، إن ابن عمها فُقد بعد خروجه من منزلهم في قوديلي. مبينا أن في البداية، كانوا يستهدفون مجموعات العصابات، لكنهم الآن يعتقلون أي شخص”.
وأضافت: “ما زلنا لا نعرف مكانه، نعتقد أنه ربما نُقل إلى أعالي النيل”.
غياب الشفافية:
يدافع السلطات مراراً عن الحملة بأنها استجابة ضرورية لارتفاع معدلات الجريمة، لكن شهادات الهاربين والعائلات والمحتجزين تشير إلى نمط يتجاوز بكثير أعمال الشرطة الروتينية، وعمليات نقل سرية، واحتجازات غير مبررة، ورحلات جوية عسكرية، واختفاء شباب دون تسجيل رسمي.
وتقول العائلات إنها لا تتلقى أي إخطار، ولا تُوجه أي تهم، ولا تُقدم أي معلومات حول المكان الذي يُنقل إليه أطفالهم.
في يوليو/ تموز، عندما ظهرت تقارير عن التجنيد القسري للشباب في جوبا بعد حملة على الأنشطة الإجرامية، دافع جيمس ماندي إينوكا، المتحدث باسم الشرطة، عن العملية، قائلاً إنها تستهدف “أولئك الذين يرتكبون جرائم بنشاط”، بما في ذلك الاعتداءات المسلحة والاغتصاب.
قال إينوكا لراديو تمازج وقتئذ: “نحن لا نعتقل شباباً عشوائيين، وأولئك الذين توجد أدلة ضدهم يواجهون إجراءات قانونية؛ أما الأبرياء، مثل الطلاب، يطلق سراحهم”.
كما نفى اتهامات بأن بعض المحتجزين يُرسلون إلى مناطق النزاع في ولاية أعالي النيل.
تحظر قوانين جنوب السودان والتزاماته الدولية بجلاء التجنيد القسري في الجيش وتجنيد أي شخص يقل عمره عن 18 عاماً، وخاصة في الجماعات المسلحة.
بدأت حملة التجنيد القسري بعد اشتباكات في مارس/آذار بين الجيش الأبيض والجيش الوطني في مقاطعتي الناصر وأولانق بولاية أعالي النيل. أدى القتال في الناصر إلى الاستيلاء المؤقت على قاعدة عسكرية من قبل الجيش الأبيض ومقتل عشرات الجنود، بمن فيهم قائد القاعدة، اللواء ديفيد ماجور داك. في أعقاب الحوادث في الناصر وأولانق، انتشر العنف إلى أجزاء أخرى من ولاية أعالي النيل.



