أصدر رئيس جمهورية جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، حزمة واسعة من المراسيم الرئاسية أعادت تشكيل هرم القيادة السياسية والتنفيذية في البلاد.
وشملت التعديلات تغييرات كبيرة في مجلس الوزراء وحكام الولايات والسلك الدبلوماسي، بالإضافة إلى مناصب قيادية في الحركة الشعبية لتحرير السودان.
كان أبرز ما جاء في المراسيم الرئاسية مساء الإثنين، تعيين الدكتور جيمس واني إيقا نائبا للرئيس للشؤون الاقتصادية، ونائبا أول لرئيس الحركة الشعبية.
تغييرات في الحقائب الوزارية الرئيسية
شهدت الحكومة حركة نقل وإعفاءات واسعة، حيث تم إعفاء الوزراء التالية أسماؤهم: مايكل مكوي لويث (الإعلام)، وجوزيف قينق أكيج (العدل)، وسايمون مجوك مجاك (الطرق والجسور)، وجوزيفين نافون (البيئة).
بالمقابل، شملت قائمة التعيينات الجديدة ما يلي:
بيتر لام بوث: وزيراً للطرق والجسور.
مايكل مكوي لويط: وزيراً للعدل (نُقل من وزارة الإعلام).
أتينج ويك أتينج: وزيراً للإعلام.
مبيور قرنق دي مبيور: وزيراً للبيئة.
تعديل حكام الولايات وتحريك السلك الدبلوماسي
كما طالت التغييرات المناصب التنفيذية في الولايات والسلك الدبلوماسي:
إعفاء: رابي مجونق إيمانويل من منصب حاكم ولاية الاستوائية الوسطى، وإعادة تعيين إيمانويل عادل انطوني حاكماً لولاية وسط الاستوائية.
وفي المجال الدبلوماسي، أصدر الرئيس مرسوماً بإعادة السفيرة أشول أبيل أقوك إلى الدرجة الدبلوماسية الأولى، وتعيينها مبعوثاً رئاسياً للشرق الأوسط.
جاء تعيين إيقا بعد إعفاء بنجامين بول ميل من منصب نائب الرئيس للشؤون الاقتصادية ومن موقعه القيادي في الحزب، بل شمل أيضاً تجريده من رتبته العسكرية العليا (فريق أول) بشكل كامل، في خطوة غير مسبوقة ضد شخصية كانت مقربة جداً من الرئيس.
كان بول ميل يُنظر إليه على نطاق واسع كـ “المرشح المحتمل لخلافة سلفاكير” والقوة الصاعدة داخل الحزب. تشير التقارير إلى أن الإقالة جاءت في سياق تصاعد خلافات حادة داخل الدائرة المقربة من الرئيس بشأن إدارة عائدات النفط، ما يرجح أن هذه التغييرات هي نتيجة تصفية حسابات داخلية ومحاولة من سلفاكير لتعزيز قبضته على السلطة والنظام الاقتصادي قبيل الانتخابات المقررة.
تأتي هذه التعديلات الرئاسية الواسعة في جنوب السودان في وقت حرج يجمع بين تحديات اقتصادية وتوترات سياسية داخلية متصاعدة استعداداً للانتخابات المتوقعة في سبتمبر العام المقبل.
يواجه اقتصاد جنوب السودان، الذي يعتمد على النفط بنسبة تقترب من 90% من إيراداته، أزمة غير مسبوقة. تفاقم الوضع بسبب الأضرار التي لحقت بخطوط أنابيب النفط (نتيجة الصراع في السودان)، مما أدى إلى توقف شبه كامل للصادرات النفطية وخسارة معظم العملة الصعبة للدولة.
أدى شح العملة الصعبة إلى انهيار قيمة الجنيه جنوب السودان وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية “حيث تتجاوز 100% في بعض الأوقات”. وقد صنفت تقارير دولية (مثل صندوق النقد الدولي) جنوب السودان ضمن أفقر دول العالم لعام 2025، حيث يعيش أكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر.
وتواجه الحكومة أزمة في دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية والقوات النظامية، مما يفاقم الأزمة الإنسانية. وتُشير تقارير إلى غياب الشفافية في إدارة الإيرادات النفطية والإنفاق الحكومي، مما يتطلب إصلاحات جذرية.
رغم توقيع اتفاق السلام المنشط عام 2018، لا يزال تنفيذه متعثراً، خاصة فيما يتعلق بدمج القوات وتشكيل حكومة وحدة وطنية دائمة، مما يزيد من حالة الاستقطاب السياسي.
ويرى المراقبون إن الإعفاءات والتعيينات المتكررة واستبدال الوزراء وحكام الولايات ليس جديداً في جنوب السودان، بل هو نمط سياسي ثابت يُعرف بـ “تدوير المسؤولين”.
وينتقد المحللون هذا النمط بشدة، حيث يرون أنه يضر بالإصلاحات. فعندما يعود المسؤولون الذين كانوا جزءاً من أزمات سابقة إلى مناصبهم، فإنه يقتل فرص تطبيق أفكار جديدة وكفاءات شابة، ويُعمّق الإحساس بأن الأداء مرتبط بالولاء السياسي وليس بالكفاءة المهنية المطلوبة لمعالجة الأزمات الوجودية في البلاد.



