Skip to main content
بقلم : ياسر سعيد عرمان - ٤ أبريل ٢٠٢٢

جريمة على مقرن النيلين : شراهة الإستثمار ونهش موارد و تاريخ السودان

قفل الواجهات المائية وغابة السنط:-

                             -1-

عندما وصل دكتور جون قرنق ديمابيورإلى الخرطوم يوم الجمعة الموافق 8 يوليو 2005، وقد أستقبل إستقبالا غير مسبوق وتاريخي، انتشرت نكتة في ذلك الوقت أطلعته عليها وقد أعجبته وأستغرق في الضحك، وقد كانت النكتة تقول لماذا أختار الدكتور جون قرنق الإقامة في فندق الهيلتون؟

الإجابة: لانه بالقرب من الغابة الوحيدة في الخرطوم.

-2-

حينما كنت رئيسا لكتلة الحركة الشعبية في البرلمان الإنتقالي 2005-2010، والتي ضمت حوالى (147) نائبا ونائبة، عملت على تعطيل مشروع غابة السنط وقمت بعمل حملة إعلامية واسعة ضد هذا المشروع الذي يمتد من مقرن النيلين إلى غابة السنط، وقد طرحت على الرآي العام مع مجموعة من الشابات والشباب الأوفياء لمستقبل البلاد والحفاظ على تاريخها ومواردها وآثارها ودخلت في صراع مع والي الخرطوم آنذاك وأحد أهم رجال الأعمال الذي كان يتولي مشروع غابة السنط، وقد اهتم الراحل الدكتور معتصم نمر، رئيس جمعية البيئة بهذه القضية وعقد مناظرة حولها كنت أحد أطرافها في جمعية البيئة السودانية.

المشروع كان يرمي إلى إقامة (ملعب للغولف) في منطقة المقرن عند إلتقاء النيلين واقامة بنايات شاهقة تحجب مقرن النيلين ذلك المنظر الطبيعي والعالمي والتاريخي والجغرافي الفريد الذي هو ملك للآجيال السودانية والبشرية ومسجل عند منظمة اليونسكو كتراث طبيعي عالمي.

 

يأخذ مشروع غابة السنط حوالى 25% بتصميمه القديم من غابة السنط ليقيم (ملعب للغولف) والغابة محمية طبيعية بقانون منذ عام 1925، وتاتي إليها الطيور من المكسيك وأميركا الجنوبية، وإدخال الكهرباء والمباني والشوارع سيحدث خلل بيئي، والغابة هي الوحيدة التي ظلت في قلب الخرطوم، وشهدت كل الأحداث الجسام، ولم يفكر أحد في امتلاكها أو امتلاك منطقة المقرن، وإقامة المباني الشاهقة سوف يغلق الى الأبد منظر إلتقاء النيلين، ويصاحب ذلك قفل الواجهات المائية على النيل الأبيض بالاسمنت والخرسانة حتي يتم منع المياه التي تتمدد في الخريف من الوصول الى تلك المباني. وقفل الواجهات المائية سيؤدي الى اغراق قرى الصيادين والجزر في النيل الأبيض.

 

في ذلك الوقت، بعثت برسائل لعدد من كبار المبدعين والمثقفين والمفكرين وعلى رأسهم الراحل الدكتور عبد الله بولا والبروفيسور حسن موسى حول هذه القضية الهامة التي تلخص الصراع الذي يدور ضد الهجمة الإستثمارية وشراهة الإستثمار الطفيلي.

-3-

بعد أن تم وقف ذلك المشروع ولكن قبل اسبوعين كنت في طريقي الى اجتماع في دار حزب الأمة بام درمان ورايت عمارة شاهقة نهضت عند واجهة المقرن تزاحمه وتسد الطريق إليه، ورايت آليات ثقيلة ورافعات تعمل على شق الطرق واقامة المباني، وحاولت الدخول لرؤية ما يجري ومنعني حراس مدججين، وقالوا لي أن مشروع السنط ممنوع الدخول إليه، وأدركت أن مشروع السنط قد عاد على ظهر الهجمة الإستثمارية التي تستهدف موارد السودان وآثاره الحضارية وتاريخه وأراضيه، وقد أرتبطت هذه المرة في كثير من جوانبها بعواصم اقليمية ودولية.

عند ثورة ديسمبر وذاكرة الديسمبريات والديسمبريين فإن وقف هذه المشاريع واجب فهي تستهدف ماضي وحاضر ومستقبل السودان. كما إن محاولات في السابق قد جرى الحديث عنها لبيع الوزارات والمباني في شارع النيل بما في ذلك مباني تابعة لجامعة الخرطوم ضمن أجندة النظام السابق وإستثماراته الطفيلية التي تهدف إلى اقامة ابراج سكنية عالية على النيل دون اي احتياطيات تمنع نزول اطنان الفضلات على النيل، وتقفل الواجهات المائية وتلوث البيئة مثل ما جرى مع شركات البترول التي أدت إلى تلوث المياه والأرض اهم موارد السودان. يتم كل ذلك دون شفافية وتخطيط محترم وإشراك اصحاب المصلحة والمستفيدين من سكان العاصمة والسودان.

-4-

إن قضية الارض سيما المرتطبة بالنيل سجلت حضورا في دفاتر ثورة ديسمبر مثل ما هو الحال في بري والجريف والحلفايا والشجرة واستهداف اراضي السكان الاصليين في استثمار شره وشرس لا يراعي الحقوق، وقد أصبح هذا الإستثمار ذو أنياب خارجية، وهذه من قضايا الحاضر والمستقبل.

-5-

إننا نحتاج لوقف هذه المشاريع وعمل جماهيري وقانوني معا ففي ذلك دفاع عن مستقبل بلادنا وحياتنا. إن النيل سليل الفراديس أكبر ظاهرة جغرافية وتاريخية وحضارية على امتداد وجودنا الإنساني.

إننا نحتاج أن نبني مدننا على نحو يجسد شخصيتنا التاريخية دون محاكاة لاحد، وأن تكون مدننا صديقة للبيئة والتاريخ، وعلى نسق من التوافق مع إرثنا وآثارنا، وأن تشبه السودان مستفيدة من التطور الحضاري والعمراني العالمي دون إخلال.

إننا نحتاج إلى إعادة الوجه المنتج إلى الريف بعيدا عن نهب الثروات والربط العضوي بين الريف والمدينة لمصلحة إنسان الريف وإنسان المدن.

الخرطوم، 3 أبريل 2022

 


مقالات الرأي التي تُنشر عبر موقع راديو تمازج تعبر عن آراء كُتابها وصحة أي ادعاءات هي مسؤولية المؤلف، وليست راديو تمازج