Skip to main content
بقلم: لوتولى لو لوري - ١٠ ديسمبر ٢٠١٨

رأي: صراع حول منصب نائب الرئيس

تزايد البيانات و البيانات المضادة الصادرة من تحالف المعارضة (سوا)، تشير إلى احتدام الصراع داخلها بشكل يهدد استمراريتها ككيان واحد. و رغم عدم إفصاح الجميع عن السبب الحقيقي للخلاف، فإنه لا يخفى على أحد. فالكل يعلم أن الصراع سببه التنافس على الظفر بمنصب نائب الرئيس المخصص للمجموعة حسب إتفاقية السلام المنشطة المبرمة في سبتمبر ٢٠١٨. و لا يزال غبار الصراع في الجو و لم ينقشع بعد. و الشعب المغلوب على أمره يتابع بكل إشمئزاز فصولها الدرامية الزاخرة بما يندي الجبين. إن ما يدور في الوقت الحالي بين هذه القيادات من المعارضة يصدق أن يطلق عليه مسمى أم المهازل. أناس كانوا محل إحترام و تقدير من جمع غفير من شعب جنوب السودان، أضحوا يتبوأون الدرك السفلى في المصداقية السياسية.                                                                                                           

 و رغم الهدوء الذي يبدو على السطح، فإن هناك معركة حامية الوطيس تدور خلف الكواليس بين قيادات (سوا) لإستقطاب أكبر عدد ممكن من قيادات المعارضة الأخرى إلى جانب فريق على حساب الآخر. و قد تردت العلاقات بين هذه القيادات إلى درجة الركون إلى الإساءات الشخصية و النيل من كرامة الخصم. و في خضم ذلك، طفت على السطح إتهامات بتلقي نفر من القيادات لأموال من النظام في جوبا. و في حقيقة الأمر لم أتمالك نفسى من الضحك حينما قال لي أحد الملمين بما يجري في الساحة السياسية بأن أحد هؤلاء القيادات تلقى مبلغاً من المال و "لبد". فقد توارى عن الأنظار و قيل أنه قد تم إسكانه في حي فاخر من أحياء الخرطوم مع وضع سيارة ليموزين في خدمته. المذكور لم يعد يبالي بلقاء الزملاء في حركته ناهيك عن أنداده من الأعضاء الآخرين في (سوا). و أما زميله الآخر و الذي قيل قد تلقى مبلغاً مماثلاً، فقد دافع عن نفسه دفاعاٌ مستميتاً عند مساءلته عن مصير الأموال التي بحوزته. قال لزملائه بالحرف الواحد بأن المبلغ يخصه شخصياً حيث أنه قد طلبه بصفة شخصية لا تمت إلى (سوا) بأي صلة. 

و فيما هم منشغلون في التراشق بالاتهامات و اللهاث وراء الأموال، شرع "الثعلب السياسي" المعروف لدى الجميع في حبك حيلة ماكرة تجلب له منصب نائب الرئيس إلى عتبة بابه.  فمن دون مقدمات أعلنت مجموعة من داخل التحالف عن انتخاب "الجنرال" رئيساً جديداً للتحالف خلفاً "للشيخ الوقور" و الذي خسر معركة الرئاسة من خلال تصويت حر شارك فيه من كان موجوداً من القيادات.و لكن الشيخ الوقور رفض نتيجة التصويت و ما ترتبت عليها بحجة أن الجنرال لا يتمتع بالأهلية لشغل موقع رئاسة التحالف. و الأسباب التي قدمها هي أن الجنرال شخص أمي و هو واقع تحت طائلة عقوبات من مجلس الأمن الدولي. كما أنه يرفض الذهاب إلى جوبا.

 و السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو منذ متى أصبحت المؤهلات العلمية معياراً لتقلد المناصب السياسية في جنوب السودان؟ لن يستطيع الشيخ الوقور إنكار حقيقة أنه في السابق قد عمل تحت إمرة أشخاص دونه علماً و خبرة. ثم لماذا وافق الشيخ الوقور على إنضمام الجنرال إلى التحالف في باديء الأمر و هو يعلم أن الأخير لم يصب قدراً يذكر من التعليم؟ و هل علم الشيخ الوقور بقرار الحظر والعقوبات إلا بعد التصويت الذي انهزم فيه؟ و لماذا رشح نفسه للمنافسة على الفوز برئاسة (سوا) و هو يعلم أنه قد تجاوز مدة البقاء في رئاسة التحالف منذ أشهر عدة؟ إن ما ساقه الشيخ الوقور من الحجج أضعف من جناح الذبابة. و من ناحية أخرى، فإن الدرب الذي يسير فيه الثعلب السياسي و من معه بعيد كل البعد عن ميثاق التحالف والذي ينص على الإجماع في اتخاذ القرارات. إجراء تعديلات على نصوص الميثاق لا يمكن إنجازها في جلسة واحدة و من ثم تفعيلها فوراً في نفس الجلسة. و يبدو الأمر أكثر غرابة في ظل غياب بعض القيادات عن الإجتماع. و الطامة الكبرى هي أن الجنرال نفسه لم يكن حاضراً. فإن ترشيحه و إنتخابه رئيساً قد تم غيابياً. و السؤال هو لماذا العجلة في إجراء عملية الإنتخاب؟ ألم يكن من الأفضل تأجيل عملية التصويت إلى حين حضور الجميع؟  

 تأزم العلاقات بين الشيخ الوقور و الثعلب السياسي أصاب الكثيرين بالدهشة. فقد شكل الأثنان فيما بينهما فريقاً في قمة المكر و الدهاء مما مكنتهما من التسلق على أكتاف حركات المعارضة الأخرى و بلوغ ما كانا لا يحلمان به. و لكن يبدو أن الخلاف قد دب بين الصديقين بسبب منصب نائب الرئيس حيث كل واحد منهما يبتغيه لنفسه. أما مجموعة الإنتهازيين و المهرولون وراء الوظائف، فحدث بلا حرج. فعملية استنساخ الحركات السياسية جارية على قدم وساق. و قد طال الإنشقاقات كل الحركات بما فيها فصائل الحركة الشعبية لتحرير السودان. عضوية  بعض هذه الحركات أقل من عدد أصابع اليد الواحدة بل هناك حركة  تتمتع بالعضوية في (سوا) و ليس فيها إلا شخص واحد. و قد شاع في الآونة الأخيرة و بالتحديد منذ إنطلاق جولات التفاوض في الخرطوم، انتحال بعض الأشخاص والمجموعات لهويات بعض حركات المعارضة و الإدعاء بقيادتها و تمثيلها. إن  الأمر أشبه بسرقة جواز سفر شخص ما و من ثم انتحال هويته في التعامل مع الأطراف الأخرى. إنه التزوير بعينه. أحد قيادات المعارضة قال بأنه لا يدري من هم هؤلاء القوم الذين يدعون قيادة حركته بل أن أحدهم لم يقابله في حياته قط و لم يسمع عنه البتة. و كل هذا إن دل على شيئ فإنما يدل على أن الساحة السياسية في جنوب السودان قد غدت مرتعاً لأرباب النصب و الإحتيال. بلا شك إننا مقبلون على المزيد من التفرق و التشرذم في صفوف المعارضة.                                                                                             

معسكر "الزعيم المستسلم" ليس بأحسن حالاً عن ما أصاب مجموعات المعارضة الموقعة على إتفاقية السلام المنشطة. فهذا هو نائبه و قد ضرب كفاً بكف بعد أن عاد من جوبا خالي الوفاض. كل مطالب حركته و التي هي في صميم الإتفاق قد قوبلت بالرفض القاطع. فلن يكون هناك رفع لحالة الطوارئ أو إطلاق سراح المعتقلين السياسيين و أسرى الحرب في سجون النظام. كما أن الرئيس كير قد أنكر معرفته بمكان تواجد أثنين من الناشطين السياسيين الذين تم اختطافهم من نيروبي في كينيا. غير أن المشكلة الكبرى و التي تشكل تهديدأً حقيقياً للاتفاق تكمن في إصرار كير على إستيعاب قوات المعارضة و عدم سريان نصوص الترتيبات الأمنية كما وردت في الاتفاقية على جيشه. كل هذا قد جعل مجموعة الزعيم المستسلم في وضعية لا تحسد عليها. و قد ألمح نائبه إلى العودة إلى القتال إذا لم تطبق الاتفاقية بحذافيرها. و لكن في نفس الوقت طلب من أعضاء حركته تقديم مؤهلاتهم العلمية توطئة لمنحهم ما قد يتوفر من وظائف إذا ما صمدت الاتفاقية. و كما ترون فإن همهم الأول هو الحصول على أكبر عدد من الوظائف بينما الشعب المسكين يعاني من الجوع و المرض و إنعدام الأمن. هذه التطورات السالبة تصب بالطبع في مصلحة النظام على المدى القصير. و لكن الإنقسامات في صفوف المعارضة لا تعني أن مشاكل البلاد قد وجدت الحل. بل هناك جانب إيجابي لما يجري الآن في أوساط قوى المعارضة . فقد انكشف حقيقة من كانوا في السابق يدعون النضال من أجل تحقيق الديمقراطية و بسط قيم العدل و المساواة في البلاد. مجرى الأحداث أثبتت بأنهم مجرد مجموعة من  الإنتهازيين و الباحثين عن المناصب. و لذلك فإن رأب الصدع الذي طال (سوا) سيكون أمراً عسيراً إن لم يكن مستحيلاً بدون تدخل الجهة الداعمة لأفرادها. أكبر الظن أن الوضع يتجه نحو المزيد من التصعيد في الاتهامات المتبادلة مصحوباً بتسارع في وتيرة التفتت داخل التحالف.

 و مهما يكن الأمر، فإن الغانم الأكبر في معمعة أم المهازل هو مجموعة الرافضين لإتفاقية السلام المنشطة. فبينما المصالح الشخصية الضيقة و حب المال و الجاه قد فتكت بمجموعة (سوا)، إنتفض عملاق جديد في الساحة السياسية لجنوب السودان معلناً عن بزوغ فجر جديد للنضال ضد النظام. إنه التحالف الوطني الديمقراطي لجنوب السودان و الذي يتكون من الحركات الغير موقعة على إتفاقية السلام المنشطة. و هذه المجموعة مرشحة لأخذ زمام المبادرة و لعب دور محوري في تحقيق سلام عادل و مستدام في جنوب السودان. و ينبع ذلك من عدة أسباب نورد منها ما يلي:

أولاً – لقد أظهرت تفهما كبيراً لمشاكل البلاد وقدمت التشخيص الصحيح لأصل الداء و وصفت العلاج الناجع.

ثانياً – مواقف قياداتها تدل على أنهم ليسوا ممن يركضون وراء الغنى و الجاه بل أنهم مدفوعون برغبة صادقة لإنتشال البلاد من مستنقع الهلاك الذي سقطت فيه على يد الرئيس كير و زمرته في الحركة الشعبية لتحرير السودان.

ثالثاً – لقد كسبوا ثقة الشعب و تأييدهم على حساب مجموعة الزعيم المستسلم و ما تبقى من مجموعة (سوا) و التي ربما قد تصبح أثراً بعد عين.

نظام الحركة الشعبية لتحرير السودان قد وصل إلى نهاية الطريق و لم يعد في جعبته أي جديد يقدمه لشعب جنوب السودان غير ما عهدته منه من فساد إداري وانعدام للتنمية وانفراط لعقد الأمن. إن النظام يجثم على صدر الشعب بقوة السلاح وليس نتيجة تفويض ديمقراطي من خلال صناديق الإقتراع. و لكن الوقت ليس في صالح النظام لأنه ما من قوة على وجه الأرض تستطيع الصمود و منع الشعب عن تحقيق طموحاته. فالمستقبل يبدو مشرقاً للتحالف الوطني الديمقراطي لجنوب السودان بسبب انحيازه إلى جانب الشعب. 


مقالات الرأي التي تُنشر عبر موقع راديو تمازج تعبر عن آراء كُتابها وصحة أي ادعاءات هي مسؤولية المؤلف، وليست راديو تمازج