Skip to main content
بقلم : أتيم سايمون - ٢١ سبتمبر ٢٠١٨

رأي: للتَعَافِيْ مِنْ وَصمَة الصُومَال

بلغت بنا العزة بالنفس أقصى مراحلها ، ونحن نستهزئ بدولة مثل الصومال ، بمجرد أن تم ترشيحها من قبل الإيغاد للمشاركة ضمن قوات الحماية الإقليمية الموسعة للاضطلاع بمهام توفير الحماية خلال الفترة الإنتقالية (الثانية) من عمر إتفاقية السلام (المعاد) إحياؤها ، حيث لايزال البعض منا ينظر اليها بذات الصورة النمطية القديمة لصومال المجاعات ، تلك الصورة التي كانت قد رسمتها أجهزة الإعلام الدولية للوضع الانساني في الصومال ، بغرض التضامن مع مواطنيها الذين طحنتهم رحى الحرب و التمزق الذي أقعدها طيلة العقود الثلاث الماضية ، لكنهم أيضا تناسوا كيف تجتهد النخبة السياسية في مقديشو للخروج من تلك الوضعية عبر التواضع علي برنامج ومشروع وطني طموح ، يرمي لإعادة بلادهم من جديد الي واجهة الأحداث بشكلها الإيجابي ، لإستعادة مجد صومال السبعينيات المفقود ، فالوصمة التاريخية التي تم التعبير عنها من خلال نحت مصطلح (الصوملة) بدأت في التلاشي التدريجي ، حيث تشير التقارير الإعلامية لعودة الحياة للعاصمة مقديشو بعد أن بدأت البلاد تشهد قدراً من الإستقرار الناتج من العزيمة الوطنية لابناء وبنات الصومال الذين عقدوم العزم على إعادة بناء بلادهم وفق قواعد الحكم الرشيد وإرساء نموذج ديمقراطي في نظام الحكم ، وقد شهدنا خلال السنوات القليلة الماضية كيف تعاقب علي رئاسة الحكومة الصومالية ثلاثة رؤساء في انتخابات أقل مايمكن أن توصف به هو انها كانت (شفافة).

     تشكلت وصمة الصومال ، علي ضوء الحالة السياسية التي مرت بها منذ انهيار حكومة سياد بري ، حيث سادت الفوضي في شتي أرجاء البلاد ، والتي دخلت في حرب أهلية طويلة فشلت معها المجموعات المتصارعة في الإستفراد بالسلطة واعادة الامور لنصابها ، وقد أدي تطاول أمد الحرب وغياب التسوية بين الفصائل المتحاربة إلي ظهور الجماعات و التنظيمات الإسلامية والتي كان أبرزها تنظيم الشباب ، الذي سعي لاعادة الدولة المركزية في الصومال ، وخلال تلك الفترة لم تتوقف المحاولات الاقليمية و الدولية لاحتواء الموقف ، نسبة لما باتت تمثله الاوضاع في مقديشو من تهديد للأمن و السلم الدوليين ، ونتيجة لوجود إرادة حقيقة لاعادة السلام و الاستقرار ، إستطاعت الصومال ان تتجاوز الي حد كبير محنتها وبدأت في بناء المؤسسات القومية المدنية والعسكرية التي من بينها الجيش الصومالي ، الذي أكد رغبته للمشاركة ضمن قوات الحماية الإقليمية التي ستقود عملية حماية المؤسسات الانتقالية بجنوب السودان ، وذلك بعد ان تحصل الايغاد علي تفويض جديد من مجلس الأمن لتوسيع مشاركة بقية دول الاقليم في قوة الحماية الاقليمية التي أجازها مجلس الامن العام المنصرم لحماية المنشآت الحيوية بالبلاد ، فالجيش الصومالي الحالي بات مؤهلاً للقيام بتلك الأدوار خارج بلاده بعد ان تم تأهليه للقيام بذلك.

     المفارقة الرئيسية بيننا و الصومال ، هو أن جنوب السودان باتت تتصدر التقارير الدولية فيما يتعلق بمسائل المرتبطة بالمجاعة ، الفساد ، الهشاشة ، إنتهاكات حقوق الإنسان، اللجوء و النزوح ، تلك هي المؤشرات التي خلقت وصمة (الصومال) عالمياً ، وقد إرتبطت أيضا بعوامل الحرب و عدم الإستقرار السياسي ، لكن الصومال لم تعد تتصدر تلك القوائم حالياً ، لقد تربعنا في أعلي القائمة لأكثر من ثلاث سنوات ، وقد أقر بذلك مؤخرا نائب رئيس الجمهورية الدكتور جيمس واني ايقا في إحدي محاضراته التي قدمها لاعضاء المجلس التشريعي القومي (الإنتقالي) ، حيث ربط ذلك بتمرد القادة السياسيين بالبلاد ، عليه فنحن من يحتاج ان يتعلم من درس الصومال ، كيف بدأت تتجاوز محنتتها الطويلة ، نحن تحديداً نحتاج لهذا وليس درس رواندا أو تجربة جنوب إفريقيا في المصالحة ، لأنها تعد  الأقرب لواقعنا الحالي ، واذا وجد إختلاف فهو إهتمام العالم بواقع الصومال الذي إرتبط بخطة مكافحة الإرهاب ، عدا ذلك فان التقارير الإعلامية التي تناولت أزمة الحرب الأخيرة  في بلادنا وما تم إرتكابه فيها من فظاعات ، لا تكاد تتفوق فيه علينا دولة أخري عدا سوريا التي نتساوي معها في معدلات اللاجئين التي فاقت عتبة المليون ، فاين هي الصومال إذن من كل تلك المؤشرات الدولية ، الإجابة هو أنها ظلت تأتي في المرحلة التالية لنا فيما معناه انها ، أخذت فعلا تتعافي مع الوصمة التي نحتاج نحن أيضا أن نتعافي منها سريعا قبل ان نتحول نحن الي (وصمة) أخري جديدة ، ففي ستينيات القرن الماضي كان جوزيف لاقو يحذر نميري من (لبننة) السودان ، في إشارة منه الي الحرب الأهلية اللبنانية فاين هي لبنان اليوم؟.

      يجب أن يكون نشر قوة عسكرية تابعة للصومال ضمن قوة الحماية الإقليمية في جنوب السودان ، عاملاً مخفزا لجوبا قبل مقديشو في مسألة بناء الجيش القومي الذي نصت عليه اتفاقية السلام ، فنحن نحتاج لأن نتعلم من كل التجارب الناجحة وأخرها تجربة الصومال في التعافي واستعادة الحياة ، لأنها لاتزال في طور التطبيق العملي ، فاذا كانت هناك نصائح يمكن عبرها تجاوز بعض الإخفاقات فعلينا بها ، وان وجدت فرصة نستعين بها باي خبرة متاحة أيضا فلايجب ان نقابلها بالرفض و الاستهجان ، إن نشر تلك القوات الصومالية جاءت لتذكرنا جميعا بان أزمتنا قد تطاولت كثيرا ، لتفيقنا كذلك من حالة التعامي التي إستبدت بنا ، قد جاءتنا الفرصة الأخيرة عبر هذا الإتفاق الذي إن لم نعض عليه بالنواجز ، ونعالج مكامن الخلل الظاهرة فيه بمزيد من الرغبة و الإرادة والجدية السياسية ، فإننا سنكون مكان إستغراب الآخرين بلا منازع.


مقالات الرأي التي تُنشر عبر موقع راديو تمازج تعبر عن آراء كُتابها وصحة أي ادعاءات هي مسؤولية المؤلف، وليست راديو تمازج